قرن من الصحافة في لبنان
تمهيد
سمعتُ بنشر كتاب يحمل عنوان "قرن من الصحافة في لبنان"، وسمعتُ بمعرِض للصحف اللبنانيّة القديمة، وبمهرجان احتفاليّ واكب صدور الكتاب وافتتاح المعرض، فزاد الحدث رهبةً وجلالاً. وبدافع من الفضول وحبّ المعرفة، قصدتُ معرض الصحف في الوسط التجاريّ، فجلتُ بين المُلصَقات، ورأيتُ الكتاب الفخم، فألقيتُ إليه نظرة عَجْلى. ثمّ كانت مبادرة كريمة من رئيسة مجلس إدارة المؤسّسة اللبنانيّة للمكتبة الوطنيّة السيّدة رندة الداعوق، إذ أهدت إليّ نسخةً من الكتاب. وها أنذا الآن قد انتهيتُ من قراءة هذا الكتاب الأنيق الفخم. وربّما كنتُ أنوي السكوت على مضض، وفي القلب حسرة؛ بيد أنّ عبارة واحدة على صفحة الغلاف اليسرى حفزتني إلى الكتابة، وفرضت عليّ أن أَردَّ وأَستدركَ، فأصارحَ القارئ ببعض ما عندي (أو ببعض همّي). فقد جاءَ في العبارة التي ذكرتُ "هو أوّل وثيقة تضمّ صور الصحف اللبنانيّة بين 1858 و1958، مع دراسة مكثَّفةٍ (؟) لتاريخها ونصوصها ورسومها الكاريكاتورية وإعلاناتها". فمَن قرأ الكتاب ورأى ما فيه من صور الصحف، ومَن زار المعرض ورأى ما على الأعمدة أو الأسطوانات من صور الصحف، حسب أنّ هذه هي الصحافة اللبنانيّة فحسبُ، وفي هذا أفدح الظلم. ولمّا كان بعض القرّاء يعرف أنّ ثمّة كتابًا أو قاموسًا قد صدر قبل سنين، وضمّ بين دفّتَيْهِ صُوَر الصحف اللبنانيّة في مئة عامٍ، بات من المفيد، وربّما الضروريّ، أن يعرف الجميع أنّ الكتاب صدر عام 1997، بخفَرٍ وبلا طبلٍ ولا زمرٍ، وحمل عنوان "الصحافة اللبنانيّة: القاموس المصوّر" (1858-1958)، وضمّ بين دفّتيه صورًا لألفٍ ومئة دوريّةٍ أصدرها اللبنانيّون في الوطن والمهجر طوال مئة عامٍ، باستثناء التي صدرت منها على الأرض العربيّة، والتي استُبعِدت وَفقَ منهجيّةٍ أو معاييرَ مدروسة. وقد يكون من المفيد أيضًا أن يعرف القرّاء أنّني كنتُ من أوائل مَن قصدوا "دار الكتب الوطنيّة"، في بداية السبعينيّات (كان أمين قسم الدوريّات في تلك الأيّام الدكتور عبد الله الطبّاع)، للاطّلاع على أعداد الصحف العربيّة النادرة، المعروفة بمجموعة طرّازي، والمحفوظة في عددٍ غيرِ قليلٍ من المَحفظات "الكرتونيّة" الكبيرة. وقد عملتُ هناك على الصحف السوريّة، وطلبتُ تصوير بعض أعدادها. بيد أنّني كنتُ أوّل مَن عمل على المجموعة نفسها في "مؤسّسة المحفوظات الوطنية" بداية الثمانينيّات (مديرها العامّ حينذاك المرحوم الأستاذ بشارة حبيب)، وكنتُ بالتأكيد أوّل مَن طلب هناك تصوير الأعداد النادرة من الصحف اللبنانيّة والسوريّة.
قلتُ إنّ عبارةً ما فرضت عليّ هذا الردّ، وأنا، إذ أردّ الآن، لا أُنكر جهد زملائي الدارسين، وأحتفظ للسيّدة الداعوق بكل الإجلال والتقدير. لكنْ، ماذا أقول؟ فالعبء باهظ، والمادّة غزيرة إلى حدّ الازدحام. ولمّا كان الكتاب قد جاء في أربعة أبواب أو أقسام، رأيتُ أن أُعالجَ كلَّ قسمٍ على حدةٍ بما لَهُ وما عليه. إنّما، قبل ذلك، نقرأ معًا عبارة صُدِّر بها الكتاب (ص 16)، وأخرى خُتِم بها في صفحة فهرسه (ص 245)، لِما للعبارتَيْن من أثر في الحكم. جاء في العبارة الأولى "صور الصحف المنقولة (؟) في هذا الدليل هي المتوافرة في المكتبة الوطنيّة، لذا قد لا نجد صور صحف كثيرة أشارت النصوص إليها. كما جهدنا أن نصوِّر الأعداد الأولى، لكنّها أعداد قد لا تكون من السنوات المبكِّرة لصدور الصحيفة. لذلك جعلنا صورة الصحيفة في العشريّة المناسبة لتاريخها ...". وجاء في العبارة الأخرى التي هي السطر الأوّل من الفهرس "الصحف: أرشيف الصحف اللبنانيّة في مؤسّسة المحفوظات اللبنانيّة" (الصواب: مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة).
فما ملاحظاتنا على كلّ باب من أبواب الكتاب؟
1- الباب الأوّل: الصحف اللبنانيّة (1858-1958): ويمتدّ من الصفحة 18 إلى الصفحة 117:
1- اعتمد المحرّر في هذا الباب تقسيم فيليب طرّازي العشريّ (تاريخ الصحافة العربيّة، ج 1 و2)، أي دراسة الصحافة في عقود (وربّما أقلّ)، وهذا أسلوب بدائيّ عفا عليه الزمن، وخير منه الكلام على مرور الصحافة في مرحلة أولى هي طور النشأة الذي يمتدّ من تاريخ صدور "حديقة الأخبار" (1858) إلى عام 1876، ويشمل العهدين المجيديّ والعزيزيّ، تليه مرحلة العهد الحميديّ التي تمتدّ حتى عام 1908، ثمّ مرحلة العهد الدستوريّ العثمانيّ وتُلحَق بها الحرب العالميّة الأولى، ثمّ مرحلة الانتداب، وأخيرًا مرحلة الاستقلال.
2- قال المحرّر في الصفحة 21 بالحرف "عام 1858، كانت ولادة الصحافة في لبنان على يد خليل الخوري الذي أصدر (جورنال) "الأخبار". وقد أجمعت المصادر على أنّ هذه الدورية هي أوّل صحيفة عربيّة ...". هذا ليس تأريخًا، بل هو الجهل المطبق بعينه. الصحيفة هي "حديقة الأخبار" التي أصدرها خليل الخوري في بيروت في الأوّل من كانون الثاني 1858، وهي جريدة أسبوعيّة جاءت في أربع صفحات، وعُرِّفت تحت الاسم بأنها "جرنال مدنيّ علميّ متجريّ تاريخيّ". من أين جئت، يا هذا، بـ"جورنال الأخبار"، وأمامك في الصفحة 23 صورة العدد الثالث من الصحيفة، وليس العدد الثاني كما جاء في حاشيتك؟
3- وقال في الصفحة نفسها بالحرف "عام 1860، أصدر المعلّم بطرس البستاني صحيفة "نفير سوريا" في صفحتَيْن صغيرتَيْن إثر الحرب الأهليّة في برّ الشام ...". والصواب أنّها "نفير سورية" (بالتاء)، وأنّها نشرة في صفحة واحدة (لا صفحتَيْن) تتضمّن مقالة واحدة للمعلّم بطرس البستاني، وقد صدر عددها الأوّل يوم 28 أيلول 1860، وأمام المحرّر في الصفحة 27 صورة العدد الثاني من هذه النشرة. أمّا قوله "الحرب الأهليّة في برّ الشام" فمرفوض، لأنّها لم تُدعَ يومًا حربًا أهليّة، بل هي "فتنة عام 1860"، أو "أحداث عام 1860"، أو "مذابح جبل لبنان". ومعظم هذه الأحداث كان في جبل لبنان، وقليلٌ منها كان في دمشق.
4- وقال في الصفحة 22 بالحرف "كما أصدرت "الجمعيّة العلميّة السوريّة" (كانت برئاسة الحاجّ حسين بيهم العيتاني) "مجموعة العلوم" عام 1868، فيها مباحث في التاريخ والشعر والزراعة والصناعة والتجارة. وذلك مرّة في الشهر، وقد ظهر منها سبعة عشر عددًا". المحرّر ينقل عن طرّازي (ج1، ص 75)، والصواب أنّ الدوريّة هي "أعمال الجمعيّة العلميّة السوريّة في بيروت" التي صدر عددها الأوّل في نيسان 1868، وأنّ الرئيس حينئذ هو الأمير محمّد الأمين أرسلان (وهذا ما قاله طرّازي، القاموس المصوّر ص 80)، وأنّ ما صدر منها هو ستَّة عَشَرَ جزءًا لا سبعةَ عَشَرَ. أمّا مباحث المجلّة فهي خُطَب الأعضاء فقط (انظر مقالاتي في "النّهار": 14/5/1986، 3/8/1986، 4/8/1986).
5- وقال في الصفحة نفسها "عام 1865، صدر أوّل قانون للصحافة في العهد العثمانيّ، نشره السلطان عبد العزيز (1861-1871) باسم نظام المطبوعات الصحفيّة والرقابة عليها ...". هذا تزوير أو تزييف للحقيقة، فالقانون الذي صدر في آخر عام 1864، وبدأ العمل به في مطلع سنة 1865، هو ما دُعِي "نظام المطبوعات" فقط، وهو ليس خاصًّا بالصحافة وحدها، فضلاً عن أنّ كلمة "صحافة" أو "صحيفة" والنسبة إليها لم تكن قد شاعت على الألسنة. يبقى القول إنّ حكم السلطان عبد العزيز دام حتى سنة 1876.
6- وخَصَّ المحرّر المطابع بفقرة من الصفحة نفسها، فبدأ بمطبعة عبد الله الزاخر، ومرّ بذكر عدد من المطابع التي أُنشِئت في القرن التاسع عشر، وانتهى بذكر مطبعة المعارف لخليل سركيس. لكنّ صاحبنا جَهِل أنّ خليل الخوري أسّس، سنة 1857، مطبعة حديثة دعاها "المطبعة السوريّة"، وكانت مخصَّصة لطباعة "حديقة الأخبار".
7- ونتوقّف الآن مع المحرّر أمام الصفحة 25، وفيها صورة العدد 53 من جريدة "لبنان" الرسميّة التي أصدرها داود باشا في بيت الدين، والتي كنتُ أوّل مَن ضبط تاريخ صدورها باليوم والشهر، وهو 13 نيسان من سنة 1867 (النّهار، 28 آب 1986). والعدد 53 هذا صدر في 6 حزيران 1868، وهو ليس في المكتبة الوطنية ولا في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة، بل هو محفوظ في مكتبة خاصّة في أحد البيوتات اللبنانيّة، وكنت أوّل مَن صوّره، وقبل سنين طلب أحدهم صورة لهذا العدد فلم أبخلْ بها. فلِمَ نُشِرت هذه الصورة؟ وبأيّ حقٍّ تُنشَر؟ أين الأمانة للمنهج الذي التزمه المؤلّفون وللمعايير التي اعتمدوا في نشر الصور قبل أن تكون وفاءً لي؟ فإن خرجتم على المنهج الذي التزمتم، فلِمَ لم تنشروا صور الدوريّات الموجودة في مؤسَّسة المحفوظات الوطنيّة كلّها؟ لو نشرتم الصورة نقلاً عن "القاموس المصوَّر"، أي كما جاءت فيه، لَما اعترضتُ؛ أمّا أن تنشروا الصفحة كاملة من دون ذكر المصدر أو المرجع فهذا ليس من الأمانة في شيء. وفضلاً عمّا سلف، أسمح لنفسي بأن أشكّ في وجود العدد الثالث من "حديقة الأخبار" والعدد الثاني من "نفير سورية" في المكتبة الوطنيّة ومؤسّسة المحفوظات الوطنيّة؛ كما سأشكّ لاحقًا في وجود العدد الثالث من علامتَيِ الاستفهام (??)، لأنّ عندي لوائح بما كانت تحويه محفظات الصحف اللبنانيّة.
8- قال المحرّر في الصفحة 29 بالحرف "وانتهت هذه الفترة عام 1880 بإصدار نقولا نقّاش صحيفة "المصباح": نشرة كاثوليكيّة، مارونيّة التوجّه، خصّصها لأخبار الطائفة والدفاع عن مصالحها. وبقيت فترة لسان حال المطران يوسف الدبس، رئيس أساقفة بيروت للموارنة". إنّه ينقل هنا عن طرّازي، لكنّني عدتُ، في ما مضى، إلى النسخة الورقيّة من الصحيفة، وقرأتُ المئاتِ من أعدادها، فلم أجدها يومًا إلاّ صحيفة سياسيّة صِرفًا، وإن تكنْ ناطقةً، إلى حدّ ما، بلسان المطران يوسف الدبس.
9- وقال في الصفحة نفسها بالحرف "أمّا الصحف السياسيّة فقد بدأت عام 1871 مع "الجنينة: سياسيّة تجاريّة أصدرها سليم البستاني في صفحتَيْن متوسِّطتَيْن أربع مرّات في الأسبوع ...". وهنا نسأل المحرّر: ما بال "حديقة الأخبار" التي صدرت سنة 1858؟ أليست سياسيّة إخباريّة؟ وما بال "الجنّة" التي أصدرها سليم نفسه يوم 11 حزيران 1870، و"البشير" التي أصدرها الآباء اليسوعيّون في 3 أيلول 1870؟ أليستا صحيفتَيْنِ سياسيَّتَيْنِ إخباريَّتَيْنِ؟
10- وقال في الصفحة 27 إنّ الجامعة الأميركيّة افتُتِحت في بيروت عام 1862، والصواب أنّ هذه أُنشِئت سنة 1866، وأنّها دُعِيَت "المدرسة السوريّة الكلّيّة الإنجيليّة".
11- وقال في الصفحة 38 إنّ أهالي بيروت التمسوا من السلطان جعل مدينتهم ولاية مستقلّة، فاستجاب "وجعلها عام 1887 ولاية تتبعها ألوية عكّا وطرابلس واللاّذقية ونابلس، وأسندها إلى الوالي علي باشا الذي أصدر صحيفة الولاية الرسميّة "بيروت الولاية" عام 1888 ...". والصواب أنّ ولاية بيروت أُنشِئت عام 1888 لا عام 1887، وأنّ الصحيفة الرسميّة التي صدرت هي "بيروت" لا "بيروت الولاية". وقد صدر عددها الأوّل بالعربيّة والتركية يوم 23 كانون الأوّل 1888.
12- وقال في الصفحة 63 إنّ الحكم العثمانيّ استمرّ في بلادنا خمسة قرون، والصواب أنّها قرون أربعة، وقال إنّ "جمال باشا عُيِّنَ واليًًا على سوريا ولبنان"، والصواب أنّه وزير البحريّة وقائد الجيش الرابع في الحرب العالميّة الأولى؛ وفي كانون الأوّل من عام 1914، عُيِّن حاكمًا عرفيًّا على بلاد الشام وبعضٍ من جزيرة العرب (الحجاز).
13- وقال في الصفحة 64 إنّ شبلي الملاّط (ملاّط) أصدر عام 1915 صحيفة "الوطن"، وجعل شعارها "بالعمل حياة الشعوب، وحرّيّة النفس أُسّ السعادة"، وفي صفحتها الأولى قصيدة من نظم شبلي. وها نحن نذكّر المؤرّخ الفَطَِن بأنّه لم يُشِر، وهو يؤرّخ لصحف العقد الأوّل من القرن، إلى جريدة "الوطن" الأولى التي أصدرها شبلي ملاّط ونجيب شوشاني وفيلكس فارس يوم 5 تشرين الأول 1908. فلِمَ لم تُشِرْ، يا هذا، إليها وهي الأهمّ، فضلاً عن أنّ عددها الأوّل موجود في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة (مجموعة طرّازي)، وأنّ محرّر الباب الثالث (الإعلان) قد ذكرها في الصفحة 170 من هذا الكتاب، وعن أنّ لي مقالة، سنة 2008، في ذكرى مرور مئة سنة على صدورها (النّهار، 19/11/2008)؟ ويضيف المؤرّخ الفَطِن قائلاً " ... وضمّنها أخبارًا سياسيّة محلّيّة، وبرقيّات عن الحرب الروسيّة". ما هذه التفاهات؟ أأخبارها "سياسيّة محلّيّة" فقط؟ وأين هي الحرب الروسية؟ وعلى مَن؟ أنسيتَ، يا هذا، أنّ العالم كلّه كان يومئذ في أتون الحرب العالميّة الأولى؟
14- وقال في الصفحة نفسها إنّ صحيفة "بيروت" التي صدرت في بيروت في عهد الحكومة العربيّة عام 1918 (صدر عددها الأوّل في 14 تشرين الأوّل 1918) حملت اسم "بيروت الجريدة الرسميّة". وهذا مضحك لأنّ اسمها "بيروت" فقط بحرف كبير هو حرف جريدة الولاية "بيروت"، وتحت الاسم نقرأ التعريف بحرف صغير وهو "الجريدة الرسميّة". لكنّ المضحك أكثر، بل المضحك المبكي هو قول المؤرّخ الفَطِن بالحرف "وأعداد الجريدة موجود منها العدد الأوّل فقط، والباقي مفقود (قال أحد المحرّرين في الصفحة 60 من كتاب له طُبِعَ عام 2003 إنّ الموجود من أعداد هذه الصحيفة هو ثلاثة عشر عددًا، ونحن نشكّ في صحّة هذا القول.)، ولم تُشِر إلى الجريدة هذه مراجع تأريخ الصحافة اللبنانيّة". بيد أنّ الصحيفة هذه ذُكِرت في فهارس طرّازي (ج4، ص16) بالرقم التسلسليّ 100، وتاريخ صدورها هو الأوّل من تشرين الأوّل 1918 بحسب التقويم الشرقيّ. أمّا أنا فقد نشرتُ صورة الصفحة الأولى من هذا العدد في "القاموس المصوّر" (ص 126)، وصحّحت تاريخ الصدورإلى 14 تشرين الأوّل بحسب التقويم الغربيّ. غير أنّ الأمر يصبح فضيحة حين يعرف القارئ أنّ طرّازي (المتفضّل على المحرّر) قد خطّ بقلمه في أعلى الصورة "أوّل عدد من الجريدة على عهد الحكومة العربيّة". وها هي صورة العدد نفسه في الصفحة 65 من الكتاب.
15- وقال في الصفحة 85 "ثمّ كانت المعاهدة اللبنانيّة الفرنسيّة عام 1936، وانتخاب إميل إدّه رئيسًا للجمهوريّة ...". المعاهدة هذه بقيت حبرًا على ورق، فقد وُقِّعت بالأحرف الأولى، ثمَّ أُقِرَّت في لبنان، لكنّها لم تصبح نافذة بسبب استقالة رئيس الحكومة الاشتراكيّة في فرنسا ليون بلوم.
16- وقال في الصفحة 95 بالحرف "ولمّا كان لا بدّ من إعلام يرفع صوت الانتفاضة الوطنيّة هذه، ظهرت صحيفة علامة الاستفهام (؟) وصحيفة علامتي الاستفهام (؟؟) لتعبّئا الشعب ضدّ الانتداب، فلاقتا تأييدًا واسعًا، ممّا اضطرّ السلطة الفرنسيّة إلى إصدار صحيفة سرّيّة مقابلة بالشعار نفسه (؟). وثار السجال بين الصحف بذكاء إعلاميّ متبادل ...". هذا كلام أُفرِغ من محتواه فبات بلا معنى، والصواب هو أنّ الاستقلاليّين أو الوطنيّين أصدروا، يوم 10 تشرين الثاني 1943، صحيفة علامتي استفهام، فجاء رسمهما هكذا (??)، فردّ الانتدابيّون أو أنصار إميل إدّه، يوم 16 تشرين الثاني، بعلامة استفهام واحدة رُسِمت هكذا (?)، وما من صحيفة أخرى لهذا الفريق أو ذاك.
17- وقال في الصفحة 96 إنّ "الجيوش الأجنبيّة جلت عن لبنان في 31 كانون الأوّل 1946". لِمَ الجمع؟ أيّ جيوش أجنبيّة هذه؟ القوّات التي جلت عن لبنان هي آخر الوحدات الفرنسيّة التي كانت مرابطة فيه.
18- وقال في الصفحة 109 "لكنّه، بعد مجيء الرئيس جمال عبد الناصر عام 1952، وزيادة الاهتمام الأميركي بلبنان ...". مَن جاء سنة 1952 هو تجمّع الضبّاط الأحرار الذي أطاح النظام الملكيّ، هو يومئذ بإمرة اللواء محمّد نجيب.
19- أخطأ المحرّر تاريخ صدور عشرات الدوريّات، مع أنّه لم يذكر إزاء كلٍّ منها غير سنة الصدور، ولو ذكر التاريخ باليوم والشهر لكان الخطأ مضاعفًا. ومن الصحف التي أخطأ تاريخ صدورها، نذكر: أخبار عن انتشار الإنجيل (1863)، النشرة الشهريّة (1866)، أعمال شركة مار منصور دي بول (1867)، الطبيب (1874)، النشاط (1896)، المنتقد (1908)، المفيد (1909)، النبراس (1909)، الإصلاح (عاليه 1911)، جريدة لبنان الكبير الرسميّة (1920)، صدى العالم (عاليه 1925)، العاصفة (1931)، المكشوف (1935)، بيروت (1936)، نضال الشعب (1936)، الأسرار (1938)، المستقبل (طرابلس 1939).
20- نشر المحرّر في هذا القسم صورًا لستّ وسبعين دوريّة، مع أنّ مجموع ما صدر في لبنان، طوال مئة عام، لم يكن ليقلًَّ عن ألف دوريّة. فقد أحصى طرّازي في فهارسه 425 دوريّة صدرت في لبنان حتّى نهاية عام 1929، منها 294 دوريّة في بيروت وحدها. لذا أسمح لنفسي بأن أسأل المحرّر عن بعض الصحف المشهورة، وأنا أعرف أنّها موجودة في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة، وصورها موجودة في "القاموس المصوّر". فأين صورة كلٍّ من الصحف التالية: الأرز (جونية 1895)، الوطن (1908)، الاتّحاد العثمانيّ (1908)، الرغائب (طرابلس 1908)، المفيد (1909)، الحرّيّة (1909)، الحقيقة (1909)، الرأي العامّ (1910)، زحلة الفتاة (زحلة 1910)، البرهان (طرابلس 1911)، الائتلاف العثمانيّ (1912)، الفتى العربيّ (1912)، فتى العرب (1913)، البيان (بطرس البستاني 1923)، صدى الأحوال (سمعان سيف 1923)، العهد الجديد (خير الدين الأحدب 1925)، الراية (يوسف السودا 1927)، العمل (حزب الكتائب اللبنانيّة 1939)، الزمان (روبير أبيلاّ 1947)، الأحد (رياض طه 1950)، الأنباء (الحزب التقدّميّ الاشتراكيّ 1951)، الصحافة (محسن سليم ومكرزل وحدّاد 1953)، الجمهور الجديد (فريد أبو شهلا 1954)، الكفاح العربيّ (رياض طه 1958)؟ تأمّل، يا عزيزي، في أسماء هذه الصحف واعتبر أوّلاً، ثمّ قلْ لي ما الحكمة في أن تنشر، في ختام العشريّة أو العقد، صورة لنشرة مدرسيّة أو لصحيفة مغمورة لم يصدر منها غير عدد أو اثنين (أو بضعة أعداد)، وتُهمِل، في الوقت نفسه، صحيفة سياسيّة ناطقة باسم حزب سياسيّ أو على رأسها صحافيّ لامع، ولها أثرها في الحياة العامّة؟
21- أدهشني المحرّر في نشره صُوَرَ بعض الصحف في صفحة عقد يلي العقد الذي صدرت فيه، وربّما كان بينهما عقود. فقد نشر في عقد الثمانينيّات من القرن التاسع عشر، وفي الصفحة 41، صورة العدد 1402 من السنة السادسة عشرة من جريدة "التقدّم" التي أصدرها يوسف الشلفون عام 1874. ونشر صورة العدد 571 من صحيفة "المرج" الصادر في نيسان 1950 (السنة 40)، في الصفحة 107، وبين صحف العقد الخامس من القرن، مع أنّها أُنشِئت في جدَيْدة مرجعيون في مطلع عام 1909، وعددها الأوّل موجود في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة. ونشر في الصفحة 111، وبين صحف العقد السادس، صورة العدد 1954 من جريدة "بيروت"، الصادر في 23 كانون الثاني 1943 (وليس 1953 كما خال المحرّر)، مع أنّ صدور العدد الأوّل من "بيروت" كان يوم 27 تمّوز 1936 (وليس 1935 كما نقل المحرّر عن "قاموس الصحافة اللبنانيّة")، وهذا العدد موجود في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة (القاموس المصوَّر، ص 127). ونشر في الصفحة 115، وبين صحف العقد نفسه، صورة العدد 315 من جريدة "كلّ شيء" الصادر في 6 كانون الأوّل 1953، مع أنّ صدور العدد الأوّل من هذه الصحيفة كان في آذار 1947.
2- الباب الثاني: الكاريكاتور في الصحافة اللبنانيّة: ويمتدّ من الصفحة 118 إلى الصفحة 161:
1- وقع محرّر الباب الثاني في تناقض، ولو عددناه شكليًّا، إذ عنونَ الباب بعنوان "الكاريكاتور في الصحافة اللبنانيّة"، وعنونَ أقسام الباب الثلاثة التي جعلها في عهود بـ"صحافة الكاريكاتور في العهد العثمانيّ، صحافة الكاريكاتور في عهد الانتداب، صحافة الكاريكاتور في عهد الاستقلال". وعنوان الباب هو الأعمّ والأشمل، لأنّه معنيّ بالكاريكاتور حيثما كان وفي أيّ صحيفة كان، أمّا العنوان الفرعيّ فمعنيّ بالكاريكاتور في الصحيفة المتخصّصة أي صحيفة الهزل والانتقاد.
2- خالف المحرّر في هذا الباب (أو القسم) منهج زميلَيْه في تحرير البابَينِ الأوّل والثالث في مسألتَيْن: الأولى أنّه لم يجعل المدّة الزمنيّة لموضوعه مئة عام، لأنّ "الكاريكاتور" وليد العهد الدستوريّ العثمانيّ، وأوّل صحيفة هزليّة هي جريدة "هبّت" التي صدر عددها الأوّل في بيروت يوم 15 آب 1908، فعُدَّت الأولى من نوعها على الأرض العربيّة في آسيا. والمسألة الثانية هي أنّه اعتمد بدلاً من العقود (أو العشريّات) ثلاثة أطوار تاريخيّة هي: العهد العثمانيّ، عهد الانتداب، عهد الاستقلال". وهذا التقسيم هو الأفضل.
3- اختار المحرّر للباب الثاني هذا عنوان "الكاريكاتور في الصحافة اللبنانيّة"، وأنا لست مع هذا العنوان، لأنّ الكاريكاتور موجود في صحافة الجِدّ أو الصحافة السياسيّة (المتأخّرة) كما هو موجود في صحافة الهزل. فقد كان خيرًا له أن يقول "صحافة الهزل والانتقاد في لبنان" أو "الصحافة الهزلية الانتقاديّة في لبنان"، وبخاصّة أنّه حدّد الهدف، ونشر أسماء الصحف الهزليّة في جداول، ثمّ درس الكاريكاتور على صفحات بعضها. ولي في هذا المجال تجربة أحسبها غنيّة إلى حدٍّ ما، فقد طُبِع لي، سنة 1983، كتاب عنوانه "تطوّر الصحافة السوريّة في مئة عام"، وهو في جزأَيْن خُصِّص أوّلهما لصحافة العهد العثمانيّ، وفي أحد فصوله عنوان "الصحافة الهزليّة الانتقاديّة"، وخُصِّص الثاني للصحافة في عهدَيِ الانتداب والاستقلال (حتى سنة 1965)، ولغِنى المادّة وتوافرها في هذه الحقبة، وعلى صفحات هذا الجزء الكبير، خُصَّت الصحافة الهزلية بفصل منه حمل عنوان "صحافة الهزل والانتقاد" (ص 432). فليت الزميل الدارس أو محرّر هذا القسم عَنوَنَ بابه بهذا!
4- حين يتأمّل القارئ في صفحات هذا الباب، على قلّتها، يكتشف أن المحرّر قد جنح فابتعد كثيرًا، في رأيي، عمّا تريده إدارة المكتبة الوطنيّة. فهل أعدّت هذه الإدارة نفسها مُسبَقًا لدراسة "الكاريكاتور" في الصحافة اللبنانيّة حتى سنة 1958؟ أشكّ في ذلك. ولو تعمّقَ القارئ في قراءة الصفحات نفسها لاكتشفَ أنّ على المحرّر أن يتجاوز ما في المكتبة الوطنيّة، وما في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة من أعداد الصحف، وهي غالبًا أعداد أولى لا تفي بالغرض. فإن فعل فقد خرج على منهج التأليف، وإلاّ فالعمل قاصر والحكم مشوّه. وأحسب أخيرًا أنّني اكتشفت ما لا يكتشفه القارئ العاديّ، وهو أن الدراسة في هذا القسم، بما فيها من تنوّع وشمول وتوثيق، وبما زيدَ عليها من رسوم هزليّة ونصوص مقتطعة من الصحف، فضلاً عن الشواهد المُسنَدة وعن التعريف برسّامي الكاريكاتور، هي جزء من دراسة أكاديميّة أكبر وأعمّ وأشمل، بل هي، في رأيي، جزء من أطروحة حملت عنوان "الكاريكاتور وحرّيّة التعبير في الصحافة المكتوبة في لبنان" (1908-2006)، وقُدِّمت في إحدى الجامعات الخاصّة لنيل شهادة الدكتوراه في الإعلام. (عُدِّلَ العنوان حين أُعِدَّت الأطروحة للنشر، فأصبح "الكاريكاتور وحرّيّة التعبير الصحفيّ في لبنان"، 1908-2007). وفي رأيي أنّ هذا القسم من الدراسة أو البحث فضلة، فهو لا يخصّ المكتبة الوطنيّة في شيء، لأنّ معظم مادّته يجب ألاّ يكون في المكتبة الوطنيّة أو في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة.
5- قال المحرّر (ص 122) "عام 1908 صدرت صحيفة "هبّت" رائدة الهزل الساخر في لبنان، خلافًا لـ"عيواظ" عند طرّازي ...". ولدى عودتنا إلى فهارس الصحف في الجزء الرابع من "تاريخ الصحافة العربيّة"، رأينا أنّ طرّازي ذكر جريدة "هبّت" في الصفحة 8 وبالرقم التسلسليّ 16، وذكر جريدة "عيواظ" في الصفحة 10 وبالرقم التسلسليّ 54. فكيف يكون المحرّر قد استدرك فصحّح لطرّازي؟ (لعلّ الجواب يكمن في كتاب للمحرّر صدر عام 1994، ص 208-209) إنّه واللهِ َلأَمر عَجَب ..!
6- قرأنا في الصفحة التالية (123) إشارة هامشيّة أو عابرة أدهشتنا إلى حدّ ما، فقد قال المحرّر "تمثّل سلسلة حمارة جانا (توفيق ونجيب) خير دليل على مناوأة السلطة التركية للهزليّات المصونة بدستور 1908؛ وذلك باصطناع المبرّرات لتعطيلها، أو التجنّي باعتقال صاحبها أو إلغاء امتيازها، وربّما إعدامه شنقًا، كما حصل مع زريق (؟) في دمشق عام 1916". فمن هو زريق هذا؟ نحن نعرف أنّ في عداد الصحافيّين الشهداء الأخوَيْن أنطون وتوفيق زريق. ويبدو لنا بوضوح أن محرّر هذا الباب لم يقرأ ما كتب زميله محرّر الباب الأوّل في الصفحة 63، حين عدّد أسماء الصحافيّين الشهداء، وأغفل ذكر الأخوَيْن زريق، فضلاً عن أنّه أخطأ اسم الصحافيّ الشهيد محمّد المحمصاني، فدعاه باسم أخيه الشهيد محمود المحمصاني. فللّهِ دَرُّك يا عزيزي ..!
7- روى المحرّر في الصفحة نفسها (123) أنّ سليم سركيس كان أوّل مَن نال "فَلَق المكتوبجي" عام 1877 جزاءً على مقالةٍ له في "لسان الحال". وفي هذا ما يُضحِك القارئ حين يعلم أنّ سليم سركيس كان، عامَ 1877، طفلاً في الثامنة أوِ التاسعة من عمره. ومع ذلك، فنحن نشكُّ في أن ينالَ أيُّ من كَتَبَةِ "لسان الحال" أو محرِّريها، في العام نفسه، "فلق المكتوبجي" في بيروت، لأنّ الصحيفة صدرت في 18 تشرين الأوّل 1877، ولأنّ صاحبها (خليل سركيس) كان رجلاً معروفًا بالحكمة والحنكة والدراية، فأحسنَ سياسة صحيفته التي عُرِفت بأنّها صحيفة خبر لا صحيفة رأي. هذا فضلاً عن أنّ الدولة شهدت فترة انفراج إِثرَ اعتلاء عبد الحميد العرش (أواخر سنة 1876)، وما تلا ذلك من إقرار لدستور مدحت باشا وإنشاء "مجلس المبعوثان".
8- أدرج المحرّر كلاًّ من مجلّة "المنتقد" التي أصدرها محمّد الباقر يوم 15 أيلول 1908، وجريدة "الصحافيّ التائه" التي أصدرها إسكندر الرياشي في زحلة يوم 28 أيلول 1922، في عداد الدوريّات الهزليّة. وهذا خطأ، فالأولى مجلّة شهريّة ثقافيّة صدرت موقّتًا عن الإسكندريّة، والثانية صحيفة إخباريّة سياسيّة. ونحن نشكّ في أن تكون مجلّة "اللطائف العصريّة" التي أصدرها عبد الرحمن عكّاوي في بيروت، يوم 15 آب 1926، دوريّة هزليّة، وإن يكن قد جاء في تعريفها "مجلّة علميّة أدبيّة روائيّة فكاهيّة". وفي مقابل ذلك، لِيسمحْ لنا المحرّر بأن نسأله عن صحيفة "كش كش" التي صدرت في بيروت عام 1930. فلِمَ لم يذكرْها في لائحة الدوريّات الهزليّة (ص 130)؟ وقد رأيناه يدعو هذا النوع من الصحف "الدوريّات الكاريكاتوريّة"، وهذا خطأ، لأنّها دوريّات هزليّة، أو هي دوريّات الهزل والانتقاد.
9- قال المحرّر في الصفحة 129 "أخيرًا لم يبقَ سوى كاريكاتوريّة "الدبّور" مستمرّة منذ عام 1923 لغاية يومنا هذا". وعاد يقول في الصفحة التالية (130): "أغلب هذه الدوريّات أصدرت (؟) أعدادًا أولى ثمّ احتجبت لأسباب مختلفة، باستثناء مجلّة "الدبّور" لمكرزل التي استمرّت حتى اليوم فاستحقّت اليوبيل الماسي". وفي التعقيب على هذا الكلام، نُحيلُ الزميل المحرّر إلى رئيس تحرير المجلّة (جوزف مكرزل) في طورها الجديد، فلْيسألْه عن احتجاب الصحيفة ومدّته، ونريد له أن يعلم أنّ أطول الصحف اللبنانيّة عمرًا هي "لسان الحال" التي عاشت المئة أو قاربتها.
جـ- الباب الثالث: الإعلان في الصحافة اللبنانيّة (1858-1958): ويمتدّ من الصفحة 162 إلى الصفحة 195:
1- خالف المحرّر في دراسة الإعلان منهج زميله في الباب الثاني، أي في دراسة الكاريكاتور، ووافقَ، إلى حدّ بعيد، زميله محرّر القسم الأوّل في اعتماده التقسيم الزمنيّ بحسب العقود لا بحسب العصور. فالإعلان الصحافيّ حقّق نقلة مهمّة في العهد الدستوريّ العثمانيّ، وحقّق نقلة ثانية مهمّة مع بداية عهد الانتداب سنة 1920، ثمّ جاءت النقلة الأهمّ حين وضعت الحرب العالميّة الثانية أوزارها، وبدأ في لبنان عهد استقلاليّ جديد.
2- قال المحرّر في افتتاح بابه هذا (ص 163): "غاب هذا الموضوع عن دراسات مُؤَرّخي الصحافة اللبنانيّة وعن اهتماماتهم، والأسئلة عن أنواع هذا الإعلان وتطوّره وخصائصه وأدواره المتنوّعة ما زالت تنتظر الباحثين للإجابة عليها (عنها) ...". المحرّر زميل وصديق، وهو قد عرف منّي، في حديث بيننا، أنّ هذا الموضوع لم يَغِبْ عنّي وعن قلمي. وقد حان الآن الوقت كي يعرف القارئ أنّ لي كتابًا تحت الطبع عنوانه "نشأة الإعلان في الصحافة العربيّة" (1858-1868)، ويتضمّن دراسة في إعلانات "حديقة الأخبار" في عشر سنين. وفي مقابل ذلك، أسأل الزميل المحرّر : إذا كان بحثك هذا دراسة للإعلان في الصحافة اللبنانية في مئة عام (1858-1958)، وإذا كانت "حديقة الأخبار" قد صدرت عام 1858، واستمرّت الصحيفة (أعني الجريدة) الإخباريّة الوحيدة في بيروت حتى عام 1870، فلِمَ لم أرَ ولم أقرأْ في بحثك هذا إعلانًا واحدًا من إعلانات هذه الصحيفة، على وفرة ما رأيتُ وما قرأتُ لك، ومع أنّني قلت لك مرّة إنّ ما عندي في تصرِّفك متى شئت؟ وإذ أنت لم تُحدِّثنا عن الإعلان في "حديقة الأخبار"، ولم تنشر نماذج منه، فكيف تعتبر أنّ مادّة بحثك ترقى، في بدايتها، إلى عام 1858؟ كان عليك أن تحصر بحثك بين عام 1870 وعام 1958.
3- وقال في الصفحة 165 إنّ "الإعلانات الصغيرة الحجم" (يقصد الصغيرة المساحة) هي الغالبة في الصحف القديمة. وأردّ بالقول إنني وقعت في "حديقة الأخبار" على إعلانات طويلة، بل بالغة الطول إلى حدّ أنّ قراءتها تبعث على الملل. وإعلان القرن التاسع عشر حتى نهاية العهد الحميديّ إعلان ساذج وبدائيّ.
4- وقال في الصفحة نفسها إنّ صحيفة "الشرق" (عام 1926، والصواب 17 أيّار لا 17 آذار) خصّصت صفحتها الرابعة كلّها للإعلان، ومثلها صحيفة "المُناغش" (عام 1926) التي خصّصت صفحتها الثامنة كلّها للإعلان. وفي التعقيب أقول أن لا عجبَ في هذا، فأنا قد عرفتُ، في أثناء عملي على صحافة العهد العثمانيّ، صحفًا كثيرة خصّصت صفحتها الأخيرة للإعلان.
5- أوقع المحرّر العاملين معه في شيء من اللّبس، إذ قال في الصفحة 166 "كانت الإعلانات في غالبيّتها صغيرة الحجم (؟) تُنشَر في عمود واحد أو اثنين، إلى أن عمدت جريدة "لسان الحال" إلى تغيير هذه القاعدة. ففي تاريخ 18 تشرين الأوّل 1913، أفسحت الصحيفة مساحات أكبر للإعلان، ونشرت إعلانين في الصفحة الرابعةيحتل كلّ منهما ثلاثة أعمدة، أي لكلّ إعلان النصف الأعلى من الجريدة (يقصد الصفحة)، يليها إعلان بعرض الصفحة على ستّة أعمدة فوق الإعلانات الصغيرة ...". وحين اختزلتِ المؤسّسة الكتاب في كرّاس أو نشرة للترويج، شُوِّهت المعلومة تشويهًا مُريعًأ أقرب إلى الفضيحة، وغدت كما يلي: " في 18 تشرين الأوّل 1913، عرضت "لسان الحال" أوّل إعلان لها، ثمّ كرّت الإعلانات في الصحف بسيطة وساذجة أحيانًا...". ففهم الإعلاميّون أنّ سنة 1913 هي سنة ظهور الإعلان في الصحافة اللبنانيّة (مي منسّى في "النّهار"، 31/5/2010).
6- ولأنّ الزميل المحرّر اهتمّ كثيرًا، بل احتفل بإعلانات الصفحة الأولى من جريدة "لبنان" سنة 1900 (ص 166-167)، أُخبره، على سبيل الإفادة، أنّني قرأتُ، في أعلى العمود الأيمن من الصفحة الأولى من العدد الثامن من "حديقة الأخبار" الصادر يوم 27 شباط 1858، إعلانًا حمل في أعلاه (تحت كلمة "إعلان") جملة "إلى حضرة المشتركين". وهو في تسعة أسطر.
7- كنتُ قد قلتُ للزميل، محرّر القسم الثاني من الكتاب، إنّ "الكاريكاتور" بحدّ ذاته شيء، ووصف الصحيفة بأنّها صحيفة هزل وانتقاد شيء آخر. وها أنذا أقول هنا للزميل المحرّر إنّ الإعلان شيء وتعرفة الإعلان شيء آخر. وإنّ تعرفة الإعلان، كما قرأتُها في الصفحة 169، هي في عُرف الصحافيّين ومؤرخي الصحافة "شروط الاشتراك والإعلان". وقد شغل الكلام على التعرفة هذه أربع صفحات من الباب الثالث (169-172). ولمّا كان الزميل المحرّر قد أطال الكلام على تعرفة الإعلان أو شروطه، كان مضطرًّا إلى العودة إلى أعداد الصحف النادرة (مجموعة طرّازي) في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة. وإن لم يعدْ ففي إمكانه الاكتفاء لشروط الإعلان أو تعرفته بما بين يديه من صور الصحف في كتابي "الصحافة اللبنانيّة، القاموس المصوّر". ذلك أنّ القسم الأعلى من كلّ صورة ثابت وواضح يُقرَأ بسهولة.
8- تبقى لنا ملاحظة أخيرة على عمل الزميل المحرّر في هذا الباب، وهي أنّ صور الإعلان لم تُسنَدْ إلى مرجعيّتها بذكر رقم العدد وتاريخه، كما أُسنِدت صور الصحف الهزليّة في الباب الثاني من الكتاب، وهذا يُعَدُّ خللاً في التأليف.
د- الباب الرابع: أعلام الصحافة اللبنانيّة: ويمتدّ من الصفحة 196 إلى الصفحة 232:
نمضي مع مؤلّفي الكتاب إلى القسم الرابع، وفيه أيضًا ما يدهش بمقدار ما فيه من إزعاج. فقد اختار الزميل الذي حرّر هذا القسم خمسة وثلاثين عَلَمًا بأسلوب اعتباطيّ لا يخضع لمعايير علميّة. فمن الأسماء المختارة مَن لا يجوز أن يُدرَج في عداد الصحافيّين، ومن الأسماء التي نقترح أن تسقط من التراجم "نوفل نعمة الله نوفل، حسين بيهم، شكري غانم، فيليب طرّازي، شكيب أرسلان، شارل دبّاس". وهناك أسماء لها الأوّليّة على "عبد الله البستاني وسليمان البستاني وخليل مطران وأمين تقيّ الدين ومصطفى الغلاييني"، لأنّ الحضور الصحافيّ لكلّ من هؤلاء محدود. وهناك أسماء تقدّمت على أخرى بغير وجه حقّ، فلم تُراعَ الأقدميّة في الزمن. أمّا الصحافيّون الذين كانوا أَوْلى بأن يُنصَفوا فيُتَرجَمَ لهم، فهم: "يوسف الشلفون، خليل غانم، خليل سركيس، سليم سركيس، سليم الشلفون، يعقوب صرّوف، فارس نمر، شاهين مكاريوس، خليل البدوي، نقولا نقّاش، إبراهيم الأسود، عبد الباسط الأنسي، شبلي ملاّط، داود مجاعص، عبد الغني العُرَيسي، خليل زينيّة، بشارة الخوري، يوسف الخازن، سعيد عقل، طه المدوَّر، حسين محيي الدين الحبّال، يوسف الخازن، جبران تويني، نعّوم لبكي، ميشال زكّور، شكري بخّاش، إسكندر الرياشي". ولو فُرِض عليّ ألاّ أسألكم عن غير واحد من هذه الأسماء، لَسأَلتُكم عن الصوت العروبيّ الصارخ في بيروت وسماء بيروت، عن الفتى الشهيد عبد الغني العُرَيسي الذي ضننتم عليه بنشر صورة صحيفته "المفيد".
خاتمة
أمّا وقد انتهيتُ من الكتاب الأنيق، فإنّي لأتوجّه إلى مَن أعدّ معرض الصحف، ومن أشرف عليه أو أداره بالسؤال: لماذا أُقحِمت في معرضكم هذا صورة لمجلّة "الضّياء" التي أصدرها إبراهيم اليازجي في القاهرة سنة 1898؟ أفي منهجكم أو برنامجكم أن تُعرَضَ صورة دوريّة أصدرها لبنانيّ في مصر؟ فإن كان الأمر كذلك فاسمحوا لي بأن أسألكم عن عشرات الدوريّات التي أصدرها اللبنانيّون في القاهرة والإسكندريّة. فلِمَ لم تعرضوا صور بعضها، مع أنّ الكثير منها موجود في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة؟
وإلى مَن أعدّ الكرّاس أو الكتيِّب أو النشرة الأنيقة التي تختزل الكتاب في صفحات، أتوجّه بالسؤال: لِمَ وقعتَ في الخطأ الذي وقع فيه مَن أعدّ معرض الصحف أو أشرف عليه، فنشرتَ صورة "الضياء" في هذه المطبوعة الأنيقة؟ ولِمَ أسأتَ إلى الصحافة اللبنانيّة والصحافيّين اللبنانيّين وتاريخ الصحافة، حين افتتحتَ إحدى الصفحات بعنوان "الدوريّات اللبنانيّة الصادرة باللغات الأجنبيّة 1858-1958"؟ لِمَ عرّفتَ العنوان بـ"اَل"، فعمّمتَ وأجملتَ وأحطتَ؟ لو عَنوَنتَ بـ"دوريّات لبنانيّة ..." لهان الأمر وخفّت الإِساءة أو الأذى. وفي الصفحة التالية، تقع عين القارئ على صور تسع دوريّات، ستّ منها بالفرنسيّة، وواحدة بالإنكليزيّة، وأخرى بالأرمنيّة، وثالثة مثيرة للدهشة والعجب لأنّها بالعربيّة، وهي "لسان الأمة" التي جاء عنوانها في أعلى الصفحة بالعربيّة والسريانيّة، فعددتَها بين الدوريّات الناطقة بلغة أجنبيّة. عدْ، يا عزيزي، إلى "القاموس المصوَّر"، وتأمّلْ ما فيه من صور دوريّات باللغة الفرنسيّة (ص 507-527)، تجدْ أنّ ما صدر في بيروت وحدها، حتّى عام 1958، قد بلغ أربعًا وأربعين دوريّة. فإن قلتَ لي "هذا ما عندنا"، قلتُ "أنا أعرف جيّدًا أنّ ما في مؤسّسة المحفوظات الوطنيّة أكثر من هذا، وإلاّ فلا تنشرْ ولا تُؤذِ". وأُذكِّرك أخيرًا بما جاء في الفقرة الخامسة من ملاحظاتي على الباب الثالث من الكتاب.
وإلى السيّدة الكريمة أتوجّه بالكلام وأسأل: مَن صاحب الفكرة الأوّليّة في هذا المشروع؟ ومتى وُلِدَت هذه الفكرة؟ متى بدأ العمل فيه؟ ومتى انتهى؟ أَلَمْ يقترحْ أحدهم أن يُلقيَ متخصّصٌ ما على هذا العمل نظرة عَجْلى؟ فوالله يا سيّدتي! لو طُلِب إليّ أن أُلقيَ نظرة أو أُبديَ رأيًا لَما بخلتُ بذلك، غيرةً منّي على إرثنا الصحافيّ، وتقدمةً منّي بلا مقابل. ولو طُلِب إليّ أن أُقلّب صفحات الكتاب تقليبًا لَعرَفتُ توًّا ما فيه، ولكنتُ حذَّرتُ من نشره قبل أن يُراجَع. ولو عرفتُ ما في الكتاب، وحذّرتُ من نشره، ولم ألقَ استجابةً، لكنتُ قدّمتُ عنقي فداءً لآلة الطبع تفريه فريًا قبل أن يُطبَع كتاب كهذا.
هذا يا، سيّدتي، ليس سرعة، بل هو التسرّع القاتل ..! وهذا، يا سيّدتي، ليس المورد العذب، بل هو مورد التهلُكة ..! ففيمَ نَفَعَ هذا الحشد من الأسماء الذي ملأ صفحتَيْن كاملتَيْن؟
كيف يمكن كتابًا ضمّ في بابه الأوّل ستًّا وسبعين صورة (مكتملة الأبعاد) لستٍّ وسبعين دوريّة عامّة، منها ما ليس في المكتبة الوطنيّة ولا في مؤسَّسة المحفوظات الوطنيّة، وستًّا وعشرين صورة لدوريّات قيل إنّها هزليّة (منها ما ليس بهزليّ)، أن يكون قاموس صحافة، وأوّل وثيقة تضمّ صور الصحف اللبنانيّة في مئة عام؟ وكيف يمكن أن يُنشَر كتابٌ منهجُ التأليف في كلّ باب من أبوابه مختلف عن منهج التأليف في الأبواب الأخرى؟ وكيف يمكن أن يُنشَر كتاب خلا نسيج تأليفه من الأمانة العلميّة؟ وكيف يمكن أن يُنشَر كتاب يكشف التأريخ في بابه الأوّل عن جهلٍ تامٍّ بالتاريخ العامّ؟
لِمَ كلّ هذا؟ وفيمَ كلّ هذا؟ كلّ هذا، يا سيّدتي، كي لا تُطمَسَ الحقيقة، ويشيع الخطأ، فيعلق في الأذهان أمران: الأوّل أنّ هذا العمل هو أوّل وثيقة تضمّ صور الصحف اللبنانيّة، والثاني أنّ هذا هو إرثنا الصحافيّ وما لنا منه أكثر ...!
دراسة مطوَّلة لم تُنشَر
|