الدكتور جوزيف الياس

فهرس: صفحة المدخل     سبرة علميّة       ملاحق     صور المؤلفات العامّة     صور الكتب المدرسيّة     مقالات جديدة    للاتصال بنا




حرّيّة الصحافة والنشر في بيروت




تمهيد كانت الدولة العثمانيّة في النّصف الأوّل من القرن التاسع عشر تتخبّط في مشكلات خطيرة أبرزها التخلّف والديون. فكان لا بدّ من دعوة إصلاح أطلق صيحتها الأولى بعض المتنوّرين أو المثقّفين الأتراك ممّن درسوا في معاهد الغرب، وكان لا بدّ من خطوة أولى على درب الإصلاح الطويل، خطاها السلطان محمود الثاني حين قضى على جيش الإنكشاريّة ( الجنود الجدد) سنة 1826. وفور اعتلاء السلطان عبد المجيد العرش سنة 1839، أصدر قانونه المعروف بـ"الخطّ الشريف" أو "خطّ كولخانة". ثم أصدر "الخطّ الهمايونيّ" أو "مرسوم التنظيمات" سنة 1856، وفيه أعلن المساواة بين جميع العثمانيّين، ومنَحَ "النصارى" حقوقهم السياسيّة والمدنيّة. بيد أنّ خطى الإصلاح العثمانيّ تسارعت أكثر في عهد السلطان عبد العزيز الذي اعتلى العرش سنة 1861، فأصدر قانون الولايات سنة 1864، وأتبعه، في أوائل سنة 1865، قانون المطبوعات العثمانيّ، ثم أنشأ مجلس الدولة سنة 1868، وأتبعه قانون المعارف العثمانيّ سنة 1869.

وكانت بيروت، في النّصف الأوّل من القرن، واحدة من حواضر الشّام، قبل أن تحمل اسم ولاية أو تصبح عاصمة ولاية. وهي، حتى سنة 1840، مدينة مغمورة يقطن فيها نحوٌ من عشرين ألفًا من السكّان، وقد استقرّ هؤلاء داخل سورها المتداعي، ما عدا قلّة وجدت متنفّسًا لها خارج السور، ولا سيّما في العقد الخامس من القرن. وعلى رأس هذا اللّواء "قائمُ مقامٍ" يرتبط ارتباطًا مباشرًا بوالي صيدا. وللمدينة يومئذ مرفأ متواضع، لا يستقبل في حوضه الوحيد غير السّفن الصّغيرة. ولم يكن ثمّة شوارع مرصوفة بالحجارة أو البلاط، ولا طرق عربات تربط هذا الثغر البحريّ الصغير بالمدن الأخرى، كطرابلس وصيدا ودمشق؛ فالطرق العامّة آنئذ لم تعدُ كونَها دروبًا وممرّات للمشاة والخيّالة. وما إن انتصف القرن حتّى راحت المدينة تنمو نموًّا سريعًا، فقد ازداد عدد سكَانها، ونشِطت حركة البناء فيها حتّى تخطّت سورها القديم بسرعة. والفضل في نموّ هذه المدينة وتطوّرها العمرانيّ السّريع يعود إلى أمور أربعة: أوّلها نزول المرسلين الأميركان بهذا الثغر (سنة 1820)، وما ولّده هذا النزول من تحرّك مقابل للآباء اليسوعيّين. وثانيها حملة إبراهيم باشا (1789-1848) المصريّ على الشام (سنة 1831). وثالثها نقل مركز ولاية صيدا إلى بيروت سنة 1841 بحسب بعض المؤرّخين(1)، وسنة 1842 بحسب بعض آخر(2). ورابعها أحداث جبل لبنان في الفِتَن المشهورة الممتدّة بين عاميْ 1841 و1860، وهذه كانت سببًا في تدفّق الكثير من مسيحيّي الجبل على بيروت للإقامة فيها.

البدايات
حين انتصف القرن التاسع عشر، ودخلنا في مُنقَلَبه الثاني، لم يكن في بيروت غير ثلاث مطابع هي، بحسب ترتيب القِدم، "مطبعة القدّيس جاورجيوس" (سنة 1751)(3)، ومطبعة المرسلين الأميركان (سنة 1834)(4)، والمطبعة الكاثوليكيّة للآباء اليسوعيّين (سنة 1848)(5). ولم تكن المدينة قد شهِدت ولادة صحيفتها الأولى، فما من صحيفة في المشرق العربيّ كلّه، يومئذ، إلاّ واحدة رسميّة هي "الوقائع" المصريّة، أو " وقايع مصريّة" التي أصدرها الخديوي محمّد علي باشا (1769-1849) في القاهرة سنة 1828. وسنرى، في ما بعد، ما كان من أمر الصحيفة البيروتيّة الأولى. ومع بداية النصف الثاني من القرن، طبع المرسلون الأميركان، سنة 1851، كتيّبًا دعوه "مجموع فوايد"، فجاء في ستّ عشرة صفحة من القطع الوسط، وتضمّن نصائح طبّيّة وروحيّة وعائليّة. وقد نشر المرسلون من هذا الكتيّب، بين سنة 1851 وسنة 1856، ستّة أجزاء(6)، لذا خاله مؤرّخ الصحافة العربيّة فيليب طرّازي مطبوعة دوريّة أو مجلّة، وعدّه، في كتابه "تاريخ الصحافة العربيّة"، باكورة المجلاّت العربيّة على الإطلاق(7)، وهو ليس بصحيفة أو مجلّة لأنّه كان يُطبَع مرّة في السنة.

وفي السنة التالية، أي سنة 1852، نشر المعلّم بطرس البستاني (1819-1883) "أعمال الجمعيّة السوريّة"، وهو كتاب طُبع في مطبعة الأميركان، وضمّ بين دفتيه نظام "الجمعيّة السوريّة"، أو دستورها والخطب التي كانت تُلقى فيها. ويبدو أنّ عددًا من الكتب قد طُبِع في مطابع بيروت في السنوات القليلة التالية؛ فبعدما صدرت "حديقة الأخبار" في الأوّل من كانون الثاني 1858، أُعلِن، في عددها السادس (13 شباط 1858)، عن خمسة وعشرين عنوانًا أو كتابًا تباعُ في مطبعة الأميركان ببيروت. فإليكم لائحة بهذه البواكير كما جاءت في الإعلان حرفيًّا(8):

- بحث المطالب في النحو - تاليف المطران جرمانوس فرحات(9)
- فصل الخطاب في النحو - تاليف الشيخ ناصيف اليازجي
- كتاب الجغرافيا - تاليف الحكيم كرنيلوس فنديك
- أعمال الجمعية السورية
- نهاية الارب في أخبار العرب
- الاجرومية
- كتاب الجبر - تاليف الحكيم كرنيلوس فنديك
- ست نبذ مجموع فوايد
- تعليم انكليزي وعربي
- عقد الجمان في علم البيان ونقطة الدايرة - تاليف الشيخ ناصيف اليازجي
- ديوان الشيخ ناصيف اليازجي
- نقطة الدايرة في العروض
- النبذة الاولى من أخبار جبل لبنان - تاليف الشيخ طنوس الشدياق
- النبذة الثانية
- النبذة الثالثة
- مجمع البحرين - تاليف الشيخ ناصيف اليازجي - مجلّد
- اصول المنطق
- النزهة الشهية في الرحلة السليمية - تاليف الخواجا سليم بسترس
- زهر الربى في شعر الصبا - نظم خليل افندي الخوري
- مختصر في الحساب
- جغرافية مختصرة
- محيط الدايرة في العروض - تاليف الحكيم كرنيلوس فنديك
- الاصول الهندسية - تاليف الحكيم المومى اليه
- المحاورة الانسية في اللغتين العربية والانكليزية
- كتاب الاصول النحوية
نشأة الصحافة في بيروت

في غمرة محاولات الإصلاح، وفي ظلّ التطوّر العمرانيّ والاجتماعيّ والثقافيّ التي شهدته بيروت بُعَيد منتصف القرن، كانت الظروف الموضوعيّة قد نضجت، وباتت مهيَّأة لصدور أوّل صحيفة عربيّة غير رسميّة في الشرق العربيّ كلّه. ففي سنة 1857، اندفع فتى في مُقتَبَل العمر يُدعى خليل الخوري(10) وراء الحلم أو المغامرة، فأتى من أوروبا بمطبعة حديثة دعاها "المطبعة السوريّة"، وأعدّها، بدعم من رجل الأعمال والوجيه البيروتيّ ميخائيل مدوَّر، لتكون مطبعة الصحيفة الأولى في بيروت. فقد أصدر الخوري، في الأوّل من كانون الثاني 1858، صحيفة سياسيّة أسبوعيّة دعاها "حديقة الأخبار"، فجاءت في أربع صفحات من القطع الوسَط، وعُرِّفَتْ، في صفحتها الأولى تحت العنوان، بأنّها "جرنال مدنيّ علميّ متجريّ تاريخيّ". ولمّا كانت الصحافة لم تعرفْ، في طور نشأتها، الاحتراف أو الالتزام المهنيّ الصّرف، كان من الطبيعيّ أن تجمع الحديقة على صفحاتها، إلى المادّة الإخباريّة، قصائدَ ومقالاتٍ في الآداب والعلوم. فعلى صفحات هذه الصحيفة الأسبوعيّة كانت طلائع التنوير وبواكير التربية الحرّة، ولاسيّما أنّها كانت تنشر في صدر صفحتها الأولى "خلاصة سياسيّة" تتضمّن أخبار فرنسا بخاصّة ودول الغرب بعامّة. كما كانت تنشر في صفحتها الرابعة فصلاً من كتاب أجنبيّ مترجَم، أو فصلاً من كتاب عربيّ قديم، ومتى اكتملت حلقات هذا الكتاب طُبع في مطبعة الجريدة وبات في أيدي القرّاء. وفي سنة 1860، رأينا هذه الصحيفة تلتزم الخطّ العثمانيّ الرسميّ، بعدما حلّ ناظر الخارجيّة فؤاد باشا في بيروت بسبب الأحداث المشؤومة في جبل لبنان. بيد أنّ فائدتها لم تقلّ، لأنّها استمرّت تنشر بعض المقالات العلميّة، واستمرّت تنقل الأخبار عن الصحف الفرنسيّة.

وإذا كانت "حديقة الأخبار" قد التزمت الخطّ العثمانيّ سنة 1860 بسبب أحداث جبل لبنان، فإنّ لهذه الأحداث أثرًا إيجابيًّا آخر. ذلك أنّ المعلّم بطرس البستاني أصدر، في 29 أيلول 1860، نشرة دعاها "نفير سورية"، فكانت عبارة عن مقالة في صفحة واحدة، وبلغ مجموع أعدادها أحد عشر عددًا(11). وقد امتازت مقالات هذه النشرة بالحسّ الوطنيّ العارم، إذ كان المعلّم بطرس يفتتح مقالته بنداء "يا أبناء الوطن"، ويختمها بالقول "من محبّ للوطن". وفي تلك المقالات تحدّث البستاني عن الوطن وحبّ الوطن، واستعمل في إحداها تعبير "الوطن السوريّ". كما تحدّث مطوّلاً عن التمدّن، وبرزت في مقالاته دعوة صريحة إلى فصل "السياسة عن الرياسة" أو فصل الدين عن الدنيا، وهي نزعة علمانيّة تطالعك في أعداد النفير كلّها.

ويرى مؤرّخو الصحافة أنّ الولادة الحقّة للصحافة البيروتيّة، من حيث الإصدار، كانت سنة 1870. فقد صدر في هذه السّنة وحدها خمس دوريّات، أشهرها مجلّة "الجِنان" التي أصدرها سليم البستاني (1848-1884)، بمعاونة والده المعلّم بطرس، في مطلع كانون الثاني 1870، ثمّ أصدر جريدة "الجنّة" في 11 حزيران 1870. وفي 3 أيلول 1870 أصدر الآباء اليسوعيّون جريدة "البشير" في ثماني صفحات من القطع الصغير. ولنا وقفة مع مجلّة "الجنان" التي اتّخذت لها شعارًا "حبّ الوطن من الإيمان"، والتي دأب سليم البستاني، منذ عامها الأوّل، في نشر سلسلة مقالات افتتاحيّة فيها تحت عنوان "الإصلاح". وما يعني بذلك غير الإصلاح في الدولة العثمانيّة، وهو إصلاح سياسيّ وإداريّ واقتصاديّ. أمّا جريدة "الجنّة" فكانت صحيفة إخباريّة بحتة، لذا قلّت فيها مقالة الرأي. وأمّا جريدة "البشير" فصحيفة كاثوليكيّة الهوى ذات خطّ ملتزم.

وفي سنة 1871 أصدر سليم البستاني صحيفة سياسيّة إخباريّة ثانية هي جريدة "الجنينة"، ثمّ تلتها جريدة "التقدّم" التي أصدرها يوسف الشلفون (1840-1895) في أوّل كانون الثاني 1874. وفي 20 نيسان 1875، أصدرت جمعيّة الفنون جريدة "ثمرات الفنون" التي رأَسَ تحريرها عبد القادر قبّاني (1848-1935)، فكانت أوّل صحيفة ناطقة باسم الطائفة الإسلاميّة في بيروت، ومثّلت بشكل صريح الخطّ العثمانيّ، أو ما عُرِف بعدئذ بالجامعة العثمانيّة.

أوّل قانون للمطبوعات
حتّى منتصف القرن التاسع عشر، كانت الطباعة في الدولة العثمانيّة ما تزال في بداية عهدها وفي طور نشأتها، وكان في "نظارة المعارف" (وزارة المعارف) قلم للمطبوعات يجيز حقّ الطبع أو حقّ إصدار صحيفة بناءً على اقتراح الولاة في الولايات والأقاليم. لذا لم يشعر العثمانيّون بالحاجة المُلِحَّة التي توجب إصدار قانون للمطبوعات. وهي حال دامت حتّى اعتلاء السلطان عبد العزيز تخت السلطنة سنة 1861. فقد افتتح هذا السلطان عهد خلافته بإصدار قانون الولايات العثمانيّ سنة 1864، وأتبعه في العام التالي القانون الأوّل من نوعه في الدولة العثمانيّة، وهو "قانون المطبوعات" العثمانيّ الذي صدر عن الباب العالي بفرمان سلطانيّ في مطلع شهر شباط 1865، ودُعِي إذ ذاك "نظام المطبوعات"(12). وقد جاء في فصلين وخمس وثلاثين مادّة، فالفصل الأوّل حمل عنوان "الأحكام العامّة" وفيه تسع موادّ، والفصل الثاني حمل عنوان "الأحكام الجزائيّة" وفيه ستّ وعشرون مادّة. وبموجب هذا القانون، رأينا أنّ المرجع الصالح للترخيص بالنشر وإعطاء الإذن في إصدار الصحف هو إدارة رسميّة في "نظارة المعارف الجليلة" دُعِيت "قلم المطبوعات" حينًا و"مديريّة المطبوعات" حينًا آخر. وبموجب قانون الولايات الذي صدر في أواخر سنة 1864، أُلحِقت بيروت بـ"إيالة دمشق" ودُعِيت هذه "ولاية سورية الجليلة". وبعد صدور قانون المطبوعات، أُحدِث في مركز الولاية قلم للمطبوعات، أو مديريّة للمطبوعات تناوب على إدارتها أتراك وعرب؛ ومن أبرز الأسماء التي أُسنِدت إليها هذه المهمة خليل الخوري الذي سُمِّي، سنة 1870، مديرًا للمطبوعات في ولاية سورية. لاحظنا على قانون المطبوعات الذي صدر سنة 1865 أنّ موادّ التغريم الجزائيّ فيه جاءت في الفصل الثاني، وشغلت خمس عشرة مادّة امتدّت من المادّة الرابعة عشرة إلى المادّة الثامنة والعشرين. وبموجب هذا القانون يُؤَدّى بدل التغريم بالليرات الذهبيّة؛ أمّا عقوبة الحبس فتُراوِح بين أسبوع وعدّة أشهر، ما عدا المادّة الخامسة عشرة التي نصَّت على أنّه إذا تصدّى أحدهم للذات الشاهانيّة أو لأحد أفراد العائلة المالكة، فالغرامة الماليّة تُراوِح بين 25 ليرة ذهبيّة و150 ليرة، وعقوبة الحبس تُراوح بين ستّة اشهر وثلاث سنوات. كما رأينا أنّ المادّة 29 تتيح للسلطة، في حالات محدّدة، تعطيل الصحيفة تعطيلاً دائمًا.

هذا ما كان من أمر القانون الذي صدر في عهد السلطان عبد العزيز، وعُمِل به إلى أن اعتلى عبد الحميد الثاني عرش السلطنة سنة 1876. وقد استبشر العثمانيّون خيرًا حين افتتح السلطان عهده بإصدار الدستور العثمانيّ؛ لكنْ، ما إن نشِبت الحرب العثمانيّة الروسيّة سنة 1877، حتّى عطّل السلطان عبد الحميد الدستور، وأقصى مدحت باشا (أبا الدستور) عن الصدارة العظمى، ثمّ أرسله سنة 1878 واليًا على سورية، ثمّ نفاه إلى الطائف حيث اغتيل هناك سنة 1884. ومع تعليق الدستور، عُطِّلت الحرّيّات العامّة، وعُلِّق العمل بقانون المطبوعات العثمانيّ. لكنّ وجود مدحت باشا في ولاية سورية، متنقّلاً بين بيروت ودمشق، أراح صحافة بيروت، فما كان لها أن تشعر بوطأة تعطيل الدستور وشلّ الحياة الفكريّة. ولم يخيّم ظلام الليل في سماء بيروت إلاّ بعد سنة 1880. وهو ليل طويل وظلام دامس غرقت فيه الولايات العربيّة، ما عدا وادي النيل الذي كان يعيش في ظلّ الأسرة الخديويّة، وفي مناخ من الحرّيّة مقبول. وكانت بدايات هجرة الأقلام، أو هجرة الصحافيّين من بيروت إلى وادي النيل قد ذرّ قرنها مع بداية العهد الحميديّ، ثمّ ازدهرت بعد سنة 1880. وقد ترك بيروت، في تلك الحقبة، عدد من الصحافيّين الذين أسهموا في إصدار الصحف المصرية في كلّ من القاهرة والإسكندريّة(13). وفي التعقيب على صدور قانون المطبوعات العثمانيّ الأوّل، نقول إنّ العبرة لم تكن يومًا في إصدار قانون للمطبوعات، بل هي في قانون يصدر، فيُحتَرَم، ويُطَبَّق، ويُعمَل به في الولايات العثمانيّة كافّة. فالمَراحم السلطانيّة عين ساهرة، وكلّ ما في البرّ والبحر يسبّح بحمد "سلطان البرَّيْن وخاقان البحرَيْن السلطان ابن السلطان وأمير المؤمنين عبد الحميد خان ...".

يبقى أن نقول إنّ العهد الحميديّ (1876-1908) عهد فقير في إصدارات الصحف، فطوال هذا العهد لم يصدر في بيروت غير صحف قليلة أحصى منها فيليب طرّازي، في "تاريخ الصحافة العربيّة"، سِتًّا وعشرين جريدة(14) وخمسًا وعشرين مجلّة(15)، لكنّ معظمها كان سريع التوقّف والاضمحلال. وأشهر هذه الصحف جريدة "لسان الحال" التي أصدرها خليل سركيس في 18 تشرين الأوّل 1877، وجريدة "المصباح" التي أصدرها نقولا نقّاش في الأوّل من كانون الثاني 1880، وجريدة "التقدّم" التي أعاد يوسف الشلفون إصدارها، بالتعاون مع أديب إسحق، في العاشر من كانون الثاني 1881، بعد احتجاب دام أكثر من ستّ سنوات. ومنها أيضًا جريدة "بيروت" التي أصدرها محمّد رشيد الدنا في 22 آذار 1886، و"الفوائد" التي أصدرها خليل البدوي في الأوّل من آذار 1889، ثمّ حوَّل اسمها إلى "الأحوال" في الأوّل من تشرين الأوّل 1891. وآخر ما نذكر من إصدارات، في هذا العهد، جريدة "الإقبال" التي أصدرها عبد الباسط الأُنسي في 9 نيسان 1902.

المطبوعات في العهد الدستوريّ العثمانيّ ونمضي مع الطباعة والمطبوعات إلى العهد الدستوريّ العثمانيّ الذي يمتدّ عمليًّا من أواخر شهر تمّوز 1908 إلى خريف سنة 1914. وهو عهد امتاز بغزارة في إصدار الصحف كادت تلامس حدّ الفوضى، وامتاز، في بدايته، بطفرة حرّيّة لم تشهدها الصحافة العثمانيّة من قبل، وفي مقدّمها صحافة بيروت، حتى بتّ ترى عناوين كثيرة تصدر في السنة الواحدة، وأطنانًا من الورق تُطبَع في اليوم الواحد، وآلاف النُّسخ من كلّ عنوان تُوَزَّع صباح كلّ يوم. وقد انقسمت الصحافة بين "حزب الاتّحاد والترقيّ" أو "حزب تركيّا الفتاة" سابقًا، و"حزب الحرّيّة والائتلاف" أو "الحزب الحرّ المعتدل"، وباتت تناقش الشؤون السياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بحرّيّة تامّة. أمّا الشأن الفكريّ فحسبُنا أن نشير فيه إلى أنّ الدكتور شبلي شميّل (1853-1917) تبنّى في مقالاته نظريّة داروِن في النشوء والارتقاء، ودافع عنها دفاع الملتزم، فكان التزامه هذا سببًا لنقاش مستفيض على صفحات الصحف البيروتيّة. وثمّة قضيّة أخرى أثارت غبارًا على صفحات الصحف، في أوائل سنة 1909، وهي أنَّ إدارة "المدرسة السوريّة الكلّيّة الإنجيليّة" فرضت على الطلبة المسلمين الذهابَ إلى الكنيسة وحضورَ درس التعليم المسيحيّ. وبعد نقاش وتوضيح، انتهى الأمر إلى تسوية أرضت أولياء الطلبة. ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى موقف جريدة "البشير" (صحيفة الآباء اليسوعيّين)، وبعض الصحف الإسلاميّة، من التعليم "اللاّدينيّ" أو العَلْمانيّ في ما بعد (افتتاح المدرسة العَلْمانيّة الفرنسيّة أو مدرسة اللاّييك سنة 1909). وبعدما خُلِع السلطان عبد الحميد (نيسان 1909) واستتبّ الأمر للاتّحاديّين، فكّر هؤلاء في إصدار قانون للمطبوعات يحدّ من حال الفوضى في قطاع الطبع والنشر، ويضبط الفورة الهائلة في إصدارات الصحف. وهكذا كان للعثمانييّن في الذكرى السنويّة الأولى للانقلاب العثمانيّ، قانون جديد للمطبوعات صدر في أواخر تمّوز 1909(16). وقد جاء هذا القانون في أربعة فصول توزّعتها سبع وثلاثون مادّة. فالفصل الأوّل حمل عنوان "في كيفيّة النشر" وتضمّن سبع موادّ. والفصل الثاني حمل عنوان "في الأحكام الجزائيّة"، واشتمل على سبع عشرة مادّة. والفصل الثالث حمل عنوان "في القدح والذّمّ"، واشتمل على ستّ موادّ. والفصل الّرابع حمل عنوان "في موادّ متفرّقة" واشتمل على سبع موادّ. والجديد في هذا القانون هو أنَّ المرجع الصالح للترخيص بإصدار صحيفة أو نشرة دوريّة أيّاً كان نوعها هو "نظارة الدّاخليّة" بدلاً من "نظارة المعارف"، وأنَّ طلب الترخيص للمطبوعة يجب أن يُقرَن حتماً بتسمية المدير المسؤول عنها.

ومن مراجعة سريعة لموادّ الفصل الثّاني (في الأحكام الجزائيّة) ، لاحظنا أنّ الغرامة احتُسِبَت باللّيرة الذهبيّة العثمانيّة، وهي تراوح بين خمسة وعشرين قرشاً في حدّها الأدنى، ومئة ليرة ذهبيّة في حدّها الأقصى، وأنّ الحكم بالسجن يراوح بين يوم وثلاث سنوات؛ كما رأينا أنّ المادّة 17 تنصّ على عقوبة النّفي المؤبّد، والمادّة 23 تنصّ على عقوبة تعطيل المطبوعة أو الدوريّة.
والطريف في موادّ الفصل الثالث (في القدح والذمّ) ، وهي ستّ، أنّ أولاها (المادّة 25) عرّفت كلاًّ من الذمّ والقدح، وحدّدت ما يُعَدّ ذمّاً أو قدحاً، ثمّ جاء تفصيل كلّ منهما وعقوبته في الموادّ الأخرى.
هذا هو قانون المطبوعات الذي عُمِل به فعلاً على الأرض العثمانيّة من مطلع شهر آب 1909 حتّى أوائل تشرين الثاني 1914 حين انحازت الدولة العثمانيّة إلى جانب ألمانيا، وأعلنت الحرب على الحلفاء، وأصدر شيخ الإسلام، في 7 تشرين الثاني، فتوى الجهاد، وتلاها، بعد أيّام أربعة، بلاغ سلطانيّ حَضَّ المسلمين على "الجهاد المقدَّس". أمّا السنة الأولى من العهد الدستوريّ، حتى تمّوز 1909 ، فقد خضعت فيها المطبوعات لأحكام القانون السابق الذي صدر سنة 1865، والذي أُعيد العمل به إثر الانقلاب العثمانيّ، كما أُعيدَ العمل بدستور سنة 1876 المعروف بدستور مدحت باشا.

لقد عاشت الصحافة العربيّة بعامّة، وصحافة بيروت بخاصّة، من صيف 1908 إلى خريف 1914، في كرّ وفرّ، وفي صراع مع حكم الاتّحاديّين، ولم تعرف انفراجًا أو راحة إلاّ في تلك الفترة التي وصل فيها "حزب الحرّيّة والائتلاف" أو "الحزب الحرّ المعتدل" إلى السلطة. فقد كان تعطيل الصحافة كثيرًا، وكان تغريم الصحافيّ كثيرًا، أمّا حبس الصحافيّ فهو قليل. ومن حسنات هذا القانون أنّه سمح للصحافيّ بإصدار صحيفته، في فترة التعطيل، بامتياز جديد وباسم جديد مع مدير مسؤول جديد. فما إن تحتجب الصحيفة اليوم حتى تعود غداً أو بعد غدٍ حاملةً اسمًا آخر. وقد شهدنا الكثير من هذا، لكنّ مثاله الأهمّ وشاهده الأطرف ما تعرّض له الصحافيّ الجريء (والشهيد في ما بعد) عبد الغني العريسي (1891-1916) في جريدة "المفيد"(17). فإِثر التعطيل الأوّل، في أواخر شهر أيّار 1912، صدر "المفيد" في الثلاثين منه وهو يحمل اسم "صدى المفيد". وإثر التعطيل الثاني، في أيلول من العام نفسه، صدر "المفيد" في 23 أيلول 1912 وهو يحمل اسم "لسان العرب" الذي صُدِّر عدده الأوّل بافتتاحيّة صارخة عنوانها "باسم العرب نحيا وباسم العرب نموت". فكانت هذه سببًا في تعطيل ثالث بعدما صدر من "لسان العرب" ثلاثة أعداد آخرها في 25 أيلول؛ فأصدر العريسي، في 28 أيلول، صحيفة جديدة دعاها "الفتى العربيّ" الذي صدر حاملاً الرقم "1-1086". ويطوي "المفيد" من صفحة الزمن أكثر من سنة، وإذا بنا نراه يُعَطّل، في كانون الأوّل 1913، تعطيله الرابع، فيصدر يوم 15 كانون الأوّل 1913 باسم "فتى العرب"، حاملاً الرقم "1-1435". وقد استمرّ "فتى العرب" يصدر حتى أواخر شهر أيلول 1914، فكانت هذه الفترة أطول فترات التعطيل في عمر "المفيد". فحياة هذه الصحيفة خير نموذج لحياة الصحافة البيروتيّة ولصراعها مع السلطة.

والمثال الثاني لِما كان بين الصحافيّ والسلطة هو ما عاناه الشيخ أحمد حسن طبّارة (1870-1916) صاحب "الاتّحاد العثمانيّ"(18). ففي 31 تمّوز 1912، قضى "الديوان العرفيّ" في بيروت بتعطيل جريدة "الاتّحاد العثمانيّ"، فأعاد طبّارة إصدارها في 2 آب 1912 باسم "الائتلاف العثمانيّ"، وقد استمرّت هذه عدّة أشهر. وفي العام التالي، عُطِّل "الاتّحاد العثمانيّ" ثانيةً (أوائل أيّار 1913)، فأصدر طبّارة يوم 10 أيّار 1913 صحيفة بديلة دعاها "الإصلاح"، فقُدِّر لهذه أن تعيش أكثر من سنة. والمثال الثالث هو تجربة الشاعر بشارة الخوري (1885-1968) في جريدة "البرق"(19) التي عُطِّلت إثر صدور العدد 175 في 9 آذار 1912؛ لكنّ صاحبها عاوَدَ إصدارها مجدَّدًا في 14 أيّار 1912 باسم جديد هو "صدى البرق". وبعد نحو شهرين، أُفرِج عن "البرق" وعادت إلى الصدور في أوّل حزيران 1912. يبقى علينا أن نذكر أنّ مجموع ما صدر من دوريّات في بيروت، إبّان العهد الدستوريّ العثمانيّ (آب 1908- تشرين الثاني 1914)، قد بلغ ستًّا وتسعين دوريّة، منها ستّون جريدة(20) وستّ وثلاثون مجلّة(21)، ثمّ صدر في أثناء الحرب جريدتان ومجلّة واحدة(22).

لقد كانت هذه السنوات الستّ (1908-1914) صفحة بيضاء مشرقة في تاريخ صحافتنا، فحديث الإصلاح على كلّ شفة ولسان، وللإصلاحات العثمانيّة قصب السبق على صفحات الصحف، فدُبِّجَ فيها آلاف المقالات، وحُبِّر فيها أطنان من الورق. ويأتي بعد الإصلاحات العثمانية منزلةً في صحف بيروت الدفاع عن الهويّة القوميّة في وجه الاتّحاديّين ونزعتهم الطورانيّة. لكنْ، ما من شكّ في أنّ صحافة بيروت خاضت معركة مشرّفة. وأنت إذا ما عمدتَ إلى المقارنة وجدتَ أنّ هذه المعركة لم تخضْها صحافة ولاية أخرى، أو مدينة أخرى كدمشق وحلب وبغداد والقدس مثلاً. وفي ما نحن نقرأ في صحافة تلك المرحلة، رأينا بيروت مفخرة الأمّة كلّها، ورأينا صحافتها عروس الصحافة العربيّة. فهي بحقّ مدينة النور يومئذ، وقد حقّ فيها قول الأمبراطور الألمانيّ غليوم (غيّوم) الثاني "إنّها درّة في تاج آل عثمان"(23).

محطّات كُبرى
بعدما أتينا على دراسة قانون المطبوعات وأحكامه، وعرّفنا بنشأة الصحافة البيروتيّة وتطوّرها في العهدين الحميديّ والدستوريّ، رأينا، اختصارًا للجهد والوقت وتجنُّبًا للإطالة، أن نتوقّف عند ثلاث محطّات في حياة الصحافة البيروتيّة، وفي دورها الوطنيّ ودفاعها عن الحرّيّات العامّة. وأولى هذه المحطّات تتمثّل في دور صحف بيروت في مساندة "الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة لولاية بيروت" سنة 1913. وثانيتها هي دور صحافيّي بيروت في "المؤتمر العربيّ" الذي عُقِد في باريس في السنة نفسها. وثالثتها هي نصيب هؤلاء الصحافيّين في الاستشهاد على أعواد المشانق سنة 1915 وسنة 1916.

1- صرخة حرّيّة في سماء بيروت:
أنشأ أعيان بيروت، في كانون الثاني 1913، جمعيّة إصلاحيّة دُعيت "الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة لولاية بيروت". وكانت مؤلّفة من ستّة وثمانين عضوًا يمثّلون كلّ الطّوائف البيروتيّة، وقد عقدت جلستها الأولى في 13 كانون الثاني 1913. وفي الجلسة الثالثة التي عُقِدت يوم 31 كانون الثاني 1913، تُلِيَت لائحة الإصلاح التي جاءت في خمس عشرة مادّة، فنوقشت وأُقِرّت. وفي مقابل ذلك شاء الوالي أدهم بك أن يأخذ زمام المبادرة، فاختار من أعضاء المجلس العموميّ للولاية لجنة مصغّرة برئاسته دُعيت "لجنة الإصلاح" أو "لجنة اللائحة الإصلاحيّة". وقد أنجزت هذه اللجنة لائحتها الإصلاحيّة التي لا تبتعد في أغراضها كثيرًا عن لائحة الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة. وقد لاحظنا أنّ أبرز ما ميّز مشروع الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة عن المشروع الذي أعدّته لجنة المجلس العموميّ للولاية أنّ الأوّل طالب باللامركزيّة، ودعا إلى اعتماد العربيّة لغة رسميّة إلى جانب التركيّة في مجلسَي النوّاب والأعيان. وقد نشرت الصحافة البيروتيّة مشروع الإصلاح الذي طرحته الجمعيّة العموميّة وعلّقت عليه وباركته، ثمّ نشرت المشروع الذي أقرّته لجنة المجلس العموميّ، وقارنت بين المشروعين، لكنّها فضّلت أوّلهما.

أُقيل الوالي الإصلاحيّ أدهم بك ( ائتلافيّ الهوى)، وحلّ محلّه الوالي الاتّحاديّ حازم بك، فأوعز هذا إلى "مدير البوليس" بإقفال مقرّ الجمعيّة المعروف بـ"نادي الإصلاح"، تحت شعار أنّ الحكومة شرعت في تطبيق قانون الولايات الجديد، ولا لزوم للجمعيّة العموميّة، فضلاً عن أنّ إنشاء هذه الجمعيّة جاء مخالفًا لبعض موادّ القانون الأساسيّ (الدستور). وبعدما استقرّ أبو بكر حازم في بيروت، قابله مندوبا الجمعيّة سليم علي سلام وبترو طراد، فلم يظفرا منه بشيء. وصباح يوم الأربعاء في 9 نيسان 1913، استيقظ البيروتيّون ليجدوا أنّ صحفهم كلّها في إضراب عامّ، فهي قد صدرت بصفحات بيض خالية من أيّ مادّة أخرى، باستثناء بلاغ الوالي الذي نُشِر ضمن إطار في وسط الصفحة الأولى. وكان التاسع من نيسان يومَ حزن في بيروت، ويوم إضراب الصحافة. وفي العاشر من نيسان، عادت الصحف إلى الصدور بشكل طبيعيّ، لكنّها تجنّبت الخوض في موضوع الجمعيّة الإصلاحيّة، وفي قرار الوالي الجديد حازم بك، ما عدا واحدة منها هي جريدة "المفيد" التي كان لها رأي صريح في قرار الوالي. فقد عبّر محرّر الصحيفة (عبد الغني العريسي) عن خيبة أمله في الوالي وموقفه، وقال "إنّ أصحاب الفكرة الإصلاحيّة في هذا البلد الطيّب فكّروا مليًّا، قبل مزاولة حركتهم السلميّة، في ما عساه يعترضهم من المكاره في سبيلها"(24). وأضاف المحرّر أنّ هؤلاء قد وطّنوا النفس على احتمال الخطوب أيًّا تكن نتائجها. بيد أنّ ما يؤلم كلّ عثمانيّ مخلص هو أن يعتمد الوالي في حلّ الجمعيّة وسيلة يعتبرها قانونيّة، وهي مخالفة للقانون خطأً أو عمدًا. وهذا الصنيع من شأنه بثّ مشاعر النفور من "قانون الولايات الجديد الذي يمنح الولاة سلطة واسعة"(25). وفي ردّ المحرّر على الوالي أيضًا أنّ "الجمعيّة الإصلاحيّة البيروتيّة ليست مؤسّسة على ما يخالف القوانين والآداب العموميّة"(26).

وكان الحادي عشر من نيسان يوم الاحتجاج في بيروت؛ فقد اصدرت "لجنة الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة في بيروت" اجتجاجًا على الأمر الصادر عن الوالي بحلّ الجمعيّة، ووجّه البيروتيّون رسالة احتجاج إلى "مقام الصدارة ونظارة الداخليّة"، وأُرسِلت نسخة منها إلى جريدة "إقدام" التركيّة. ولائحة الاحتجاج هذه وقّعها المئات من أبناء بيروت. وقد انعكس ذلك في الصحافة صبيحة اليوم التالي، إذ صدرت الصحف البيروتيّة كلّها، يوم 12 نيسان، وفي صفحتها الأولى صورة الاحتجاجين أو الرسالتين من دون أيّ مقالة أو خبر(27). وزادت جريدة "الاتّحاد العثمانيّ" على ذلك بنشر تواقيع الأهلين التي طالت فامتدّت حتّى الصفحة الثانية، وبلغت نحوًا من خمس مئة توقيع. بيد أنّ هذا كلّه لم يُجدِ نفعًا مع أبي بكر حازم، فضاعت صرخة الصحافة، وانهار حلم الإصلاح.

ب- الصحافة ومؤتمر باريس:
تنادى بعض السياسيّين والمفكّرين العرب، في أوائل سنة 1913، إلى عقد مؤتمر يجمع شملهم، ويوحّد كلمتهم في وجه النزعة الطورانيّة عند الاتّحاديّين. وأُعِدّت العدّة للمؤتمر الذي افتُتِح في باريس يوم 18 حزيران 1913، ودعي "المؤتمر العربيّ"، وشارك في جلساته خمسة وعشرون عضوًا أو مندوبًا معظمهم من سورية ولبنان، وكان للصحافيّين بين هؤلاء نصيب وافر. وفي الجلسة الافتتاحيّة انتُخِب عبد الحميد الزهراوي رئيسًا للمؤتمر، وانتُخِب شكري غانم نائبًا للرئيس. واستمرّت اجتماعات المؤتمر حتّى 23 حزيران، وفي ختامها أصدر مقرّراته أو توصياته. وأهمّ ما فيها المطالبة بالإصلاح الشامل، وبحكم "لامركزيّ" في البلاد العربيّة، وباعتبار اللغة العربيّة لغة رسميّة في الدولة العثمانيّة، وبمعاملة العرب على قدم المساواة مع الأتراك. ونذكر من أعضاء المؤتمر، فضلاً عن الرئيس ونائبه: "سليم سلام، نجيب عازوري، أحمد مختار بيهم، رفيق العظم، إسكندر عمّون، شارل دبّاس، أحمد حسن طبّارة، ندره مطران، نجيب دياب، نعّوم مكرزل، جميل مردم، عبد الغني العريسي، محمّد محمصاني.
وبعد انتهاء المؤتمر زار وفد من أعضائه، في 30 حزيران 1913، وزارة الخارجيّة الفرنسيّة، وقابل وزير الخارجيّة، ثمّ قصد مبنى السفارة العثمانيّة في اليوم نفسه، وقابل السفير العثماني.
وفّرت صحافة بيروت لمؤتمر باريس تغطية كاملة، فنشرت أخباره، ووقائع جلساته، وخطب الأعضاء. وأبرز الصحف التي احتفلت بالمؤتمر اثنتان هما "الاتّحاد العثمانيّ" لأحمد حسن طبّارة (كانت تصدر يومئذ باسم "الإصلاح")، و"المفيد" لعبد الغني العريسي. وقد لاحظنا أنّ معظم صحف بيروت استمرّ يتحدّث عن المؤتمر، ويدبّج المقالات في مداولات أعضائه، وفي الثناء عليه حتّى منتصف شهر تمّوز 1913 على وجه التقريب(28). لذا كان على صحافيّي بيروت أن يؤدّوا، بعد أقلّ من ثلاث سنوات، الضريبة الكبرى أو ضريبة الشهادة، وفي مقدّم هؤلاء عبد الغني العريسي وأحمد حسن طبّارة.

جـ- صحافيّون شُهداء:
أثارت "الجمعيّة العموميّة الاصلاحيّة" التي أُنشِئت في بيروت، في كانون الثاني 1913، حفيظة العنصر التركيّ، وخصوصًا الاتّحاديّين الذين عُرِفوا بنزعتهم الطورانيّة. وإن تكن الجمعيّة قد حُلّت، فحلّها لم يُنهِ الأزمة، ولم يذهب بالاحتقان. وجاء المؤتمر العربيّ الذي عُقِد في باريس، في حزيران 1913، ليزيد الطين بلّة، وليثير ريبة العنصر التركيّ وشكّه في العنصر العربيّ. وقد كان للأتراك اعتراض على هذا المؤتمر في الشكل، وقبل أن يُعقَد، لسببين: أوّلهما انعقاده في عاصمة أجنبيّة، وثانيهما أنّ الظروف لم تكن تسمح بعقد مؤتمر كهذا والدولة تخوض حربًا ضروسًا في البلقان، وأجزاؤها الأوروبيّة تنسلخ عنها قطعة قطعة. أمّا الاعتراض على مقرّراته وتوصياته فليس اعتراضًا، بل هو رفض قاطع. لذا حفظ الأتراك هذا للعرب، ونقموا عليهم، وانتظروا الفرصة المؤاتية للانتقام.
وبعدَما دخلت الدولة العثمانيّة الحرب، وعُطِّل الدستور، وأُعلِنت الأحكام العرفيّة، أنشأ جمال باشا (السفّاح)، قائد الجيش الرابع والحاكم العرفيّ في سورية ولبنان، ديوانًا عرفيًّا في عاليه بلبنان، سنة 1915، واتّهم الأحرار السوريّين واللبنانيّين بمخابرة دولة أجنبيّة، وحاكمهم محاكمة صوريّة، فحكم على بعضهم بالإعدام شنقًا، وأمر بنفي بعضهم الآخر إلى بلاد الأناضول. والأوّل في قافلة الشهداء كان الخوري يوسف الحايك الذي أُعدِم شنقًا في دمشق يوم 22 آذار 1915. وفي العشرين من آب 1915 أُعدِم عشَرَة شهداء في الساحة التي خلّدت ذكراهم في بيروت، فدُعِيَت بعد رحيل الأتراك "ساحة الشهداء". والشهداء العشرة هم: "عبد الكريم الخليل، الأَخَوان محمّد ومحمود المحمصاني، صالح حيدر، عبد القادر خرسا، علي أرمنازي، نور الدين القاضي، مسلم عابدين، نايف تلّو، محمود العجم". وفي الخامس من نيسان 1916 أُعدِم يوسف الهاني في بيروت. لكنّ القافلة الكبرى من الشهداء سقطت في السادس من أيّار 1916، فقد أُعدِم في ذاك اليوم مجموعتان: الأولى في بيروت، وعدد شهدائها أربعة عشر، وهم: أحمد حسن طبّارة، عبد الغني العريسي، سعيد عقل، عارف الشهابي، عمر حمد، بترو باولي، توفيق البساط، جورج حدّاد، سيف الدين الخطيب، محمّد حسين الشنطي، سليم الجزائري، أمين محمّد حافظ، جلال البخاري، علي الحاجّ عمر". والثانية في دمشق، وعدد شهدائها سبعة نذكر منهم: "عبد الحميد الزهراوي، شكري العسلي، شفيق المؤيّد العظم، عبد الوهاب الإنكليزيّ، رفيق رزق سلّوم، رشدي الشمعة". وفي الخامس من حزيران 1916، أُعدِم الأَخَوان فيليب وفريد الخازن. ثمّ تلاهما في 14 أيلول الأخوان أنطون وتوفيق زريق.
حين أُعدِم الشهداء، كان معظم صحف بيروت قد احتجب بسبب الحرب وشحّ الورق، أو عُطِّل قسرًا. أمّا الصحف القليلة الباقية وشبه الرسميّة، فلم تجرؤ يومئذ على قول شيء في الشهداء ومحاكمتهم، وإنّما فُرِض عليها تجاهل الأمر تمامًا، مع العلم أنّ قافلة هؤلاء ضمّت في صفوفها ثلاثة عشر صحافيًّا هم: "سعيد عقل، أحمد حسن طبّارة، عبد الغني العريسي، عارف الشهابيّ، بترو باولي، محمّد المحمصاني، جرجي الحدّاد، عبد الكريم الخليل، عمر حمد، فيلييب وفريد الخازن، أنطون وتوفيق زريق. وهكذا كان استشهاد هؤلاء الأبرار، في سبيل الحرّيّة، ضريبة باهظة أدّتها الصحافة يومئذ، وثمنًا لما صدر من قبل عن الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة في بيروت، وعن المؤتمر العربيّ في باريس.
خاتمة البحث بيروت ثغر، والثغور كالأفواه أسرع إلى التلقّي، وكالمِعَد أسرع إلى الهضم والامتصاص. وبيروت هي الأسرع دومًا إلى تلقّي كلّ جديدٍ وافدٍ، وإلى التقاط ما يقذف به البحر، ولو كان أشلاءً أو سقطَ متاع. ومن شِيَم الثغور أن تفتح الصدر رحبًا للموج، قيأتيها في كلّ لحظة بجديد. ففي هذه المدينة الصغيرة حطّت البعثات التبشيريّة رحالها باكرًا، فحلّ فيها الآباء اليسوعيّون فالآباء اللِّعازاريّون أوّلاً، ونزل فيها المرسلون الأميركان ثانيًا. وإذا كانت هذه المدينة الصغيرة لم تشهد تأسيس أوّل مطبعة في الشرق، فحسبُها أنّها استقبلت في مينائها الصغير، ومع بدايات العقد الرابع من القرن الثامن عشر، أوّل آلة طابعة بالحرف العربيّ، أتى بها الأب فروماج اليسوعيّ لمطبعة الشمّاس عبد الله زاخر(29)، وحسبُها قول بطرس البستاني، سنة 1859، إنّ فيها سِتّ مطابع(30)، في حين لم يكن في بعض المدن العربيّة (بعضها فقط) أكثر من مطبعة واحدة. وبيروت الحديثة هذه هي السبّاقة بين المدن العربيّة كلّها إلى افتتاح المدرسة الحديثة، ومنها مدرسة البنات الأولى (مدرسة مسز طمسن)، والمدرسة الوطنيّة الأولى (مدرسة بطرس البستاني). وهي التي احتضنت الجمعيّة العلميّة الأولى (الجمعيّة السوريّة)، وأصدرت الصحيفة الأولى (حديقة الأخبار)، وطبعت أوّل معجم حديث (محيط المحيط)، وأوّل موسوعة علميّة حديثة (دائرة المعارف)، وأنشات أوّل كلّيّة جامعيّة (المدرسة السوريّة الكلّيّة الإنجيليّة، كلّيّة القدّيس يوسف). ولأنّ بيروت مدينة حرّة ومفتوحة، كانت سياستها سياسة حرّة، وصحافتها صحافة حرّة، وتربيتها تربية حرّة، وثقافتها ثقافة حرّة. ولأنّها ثانيًا مدينة حرّة ومفتوحة، أُنشِئت فيها أوّل جمعيّة سرّيّة (حوالى 1880) وزّعت منشورات هاجمت فيها الأتراك، ودعت، تلميحًا أو تصريحًا، إلى التخلّص من الحكم العثمانيّ. ولأنّها ثالثًا مدينة حرّة ومفتوحة، رُفِع فيها، لأوّل مرّة، شعار مملكة عربيّة في بلاد الشام يكون على رأسها الأمير عبد القادر الجزائري، وحُكِي عن مؤتمرات سرّيّة وعن مراسلات كان ليوسف بك كرم إسهام فيها. ولأنّها رابعًا مدينة حرّة ومفتوحة، كتب أحدهم، في أواخر القرن التاسع عشر، أنّ المارّ أو السائر في شوارع بيروت، وهي يومئذ أزقّة ترابيّة أو شوارع رُصِفَ بعضها بحجارة سودٍ، يسمع هنا العربيّة، وهناك الفرنسيّة، وهنالك الإيطاليّة، وثمّة التركيّة أو اليونانيّة أو الإنكليزيّة. ولأنّها خامسًا مدينة حرّة ومفتوحة، أنجبت وخرّجت صحافيّين أحرارًا هُجِّر بعضهم في العهد الحميديّ، فاصدر صحافة حرّة في مصر وفي عواصم الغرب الأوروبيّ، ثمّ في ما دُعِي بالمهجر أو العالم الجديد. ولأنّها سادسًا مدينة حرّة ومفتوحة، كان نشر الكتب فيها حرًّا، وطبع الكتب فيها حرًّا، فلا رقابة مسبقة على الطبع والنشر كما هي الحال في المدن العربيّة الأخرى. ولأنّها سابعًا مدينة حرّة ومفتوحة، قال فيها الأمبراطور الألمانيّ غليوم (غيّوم) الثاني إنّها درّة في تاج آل عثمان. ولأنّها ثامنًا مدينة حرّة ومفتوحة، أُنشِئت فيها أوّل جمعيّة عموميّة إصلاحيّة سنة 1913. ولأنّها تاسعًا مدينة حرّة ومفتوحة، حفِظ لها الأتراك جرأتها في إنشاء الجمعيّة العموميّة الإصلاحيّة، وفي الدعوة إلى عقد مؤتمر باريس، فكان معظم الشهداء، سنة 1915 و1916، من خيرة شبّانها وصحافيّيها. فيا سبحان الله! حتّى الشهادة لم تُرِدْ أن ينافسها فيها أحد. ولأنّها عاشرًا مدينة حرّة ومفتوحة، تعانق فيها المسجد والكنيسة، وتآخى فيها الشيخ والخوريّ منذ القرن التاسعَ عَشَرَ. ولأنّها أخيرًا مدينة حرّة ومفتوحة، سُمِّيَت عاصمة لبنان الكبير، فإذا هي عاصمة الدولة العربيّة الوحيدة التي على رأس السلطة فيها حاكم نصرانيّ. هذه هي بيروت التي غدت في القرن العشرين جامعة العرب، وناشر العرب، ومستشفى العرب، ومصرف العرب وسوقهم الماليّة، بل قلْ إنّها الرئة التي بها يتنفّسون.

وأخيرًا، احتفلت الجامعة الأميركيّة في بيروت، سنة 1991، بذكرى مرور مئة وخمس وعشرين سنة على تأسيسها. وبعدما انتهت الاحتفالات بما فيها من ابهَّة واستعراض ومباريات خطابيّة، انبرى قلم أحدهم يُهدي شيئًا إلى الجامعة في يوبيلها، فخطّ مقالة مطوّلة نُشِرت على ستّ حلقات في جريدة "النهار"(31) (يومَ كان يُنشَر له كلّ ما يكتب). وقد روى، في إحدى الحلقات(32)، أنّ أحمد شريف، مراسل جريدة "طنين" التركية في الآستانة، جال، سنة 1911، في حَرَم "المدرسة السوريّة الكلّيّة الإنجيليّة"، وطاف بين مبانيها وحدائقها، ثمّ أرسل إلى جريدته مقالة عنوانها "المدارس الأجنبيّة في بيروت". وممّا جاء فيها أنّ سماء بيروت مزيَّنة بالنجوم اللامعة والشموس الساطعة التي تبهر الأبصار؛ بيد أنّ وراء هذه السيّارات كلّها سعيًا شيطانيًّا. فإذا ما تأمّل الناظر مليًّا رأى في الأفق المظلم البعيد قمرًا خجولاً يريد الإشراق فما يجسر، وما هذا إلاّ الطالع العثمانيّ في بيروت(33). هذه هي "جوليا فيلكس"، في عهد الرومان، و"الدرّة في تاج آل عثمان"، و"خريدة" العرب في هذا الزمان. ولأنّ بيروت كلّ هذا وذاك، كانت تستحقّ من إدارة المؤتمر أن تُخَصّ "حرّيّة التعليم" فيها بمحور، وأن تُخَصَّص لهذا المحور جلسة كاملة. فليت الأمر كان سهوًا لا أكثر!

الدكتور جوزيف الياس
الحواشي
(1) عبد الكريم غرايبة: سورية في القرن التاسع عشر (1840-1876)، ط1، جامعة الدول العربيّة: معهد الدراسات العربيّة العالية، مطبعة دار الجيل، القاهرة 1962، ص 87. (2) بطرس البستاني: دائرة المعارف، مج 5، ط1، مطبعة المعارف، بيروت 1881، ص 750.
الأب لويس شيخو: بيروت، تاريخها وآثارها، ط3، دار المشرِق، بيروت 1993، ص 132.
(3) خليل صابات: تاريخ الطباعة في الشرق العربيّ، ط1، دار المعارف بمصر، القاهرة 1961، ص 42.
(4) م.ن,، ص 44-45.
(5) م.ن.، ص 47-48.
(6) جُمِع في كتاب، وطُبِع في المطبعة الأميركيّة سنة 1856، فجاء في 144 صفحة.
(7) فيليب طرّازي: تاريخ الصحافة العربيّة، ج1، ط1، المطبعة الأدبيّة، بيروت 1913، ص 53.
(8) أبقينا على لغة الإعلان كما هي في الصحيفة.
(9) دُعِيَ في الإعلان جبرايل فرحات.
(10) وُلِدَ في الشويفات سنة 1836، وتُوُفِّيَ في بيروت سنة 1907.
(11) صدر الأخير منها في 22 نيسان 1861.
(12) عادل بطرس: مجموعة قوانين المطبوعات في لبنان (1865-1979)، ط1، بيروت 1980، ص 38.
(13) نذكر من هؤلاء: سليم تقلا، بشارة تقلا، سليم نقّاش، أنيس خلاط، لويس صابونجي، خليل اليازجي، شبلي شمّيّل، أمين شميِّل، يعقوب صرّوف، فارس نمر، شاهين مكاريوس،
إسكندر شلهوب، خليل زينيّة، فرح أنطون، سليم سركيس، سليم الشدياق، طانيوس عبده، الياس حبّالين، جرجي زيدان، هند نوفل، أمين الحدّاد، نجيب الحدّاد.
(14) فيليب طرّازي: م.ن.، ج4، ط1، المطبعة الأميركانيّة، بيروت 1933، ص 6-8.
(15) م.ن.، ص 108-110.
(16) عادل بطرس: م.ن.، ص 62.
(17) صدر عددها الأوّل في 9 شباط 1909.
(18) صدر عددها الأوّل في 22 أيلول 1908.
(19) صدر عددها الأوّل في 1 أيلول 1908.
(20) فيليب طرّازي: م.ن.، ص 8-14.
(21) م.ن.، ص 110-114.
(22) م.ن.، ص 14-16 وص 114. (23) زارها وقرينته في تشرين الأول 1898.
(24) المفيد، العدد 1249، 10 نيسان 1913.
(25) م.ن.
(26) م.ن.
(27) انظر في ذلك: الاتّحاد العثمانيّ، العدد 1830، 12 نيسان 1913.
المفيد، العدد 1250، 12 نيسان 1913.
لسان الحال، العدد 7210، 12 نيسان 1913.
(28) انظر مثلاً: الإصلاح، العدد 53-1448، 11 تمّوز 1913- المؤتمر العربيّ السوريّ في باريس.
والعدد 55-1450، 14 تمّوز 1913 – صوت عربيّ في باريس.
لمزيد من التفصيل، انظر كتاب: المؤتمر العربيّ الأوّل، ط1، مطبعة البوسفور، القاهرة 1913
. وراجع: وجيه كوثراني: وثائق المؤتمر العربيّ الأوّل، ط1، د
ار الحداثة، بيروت 1980.
(29) خليل صابات: م.ن.، ص 39.
(30) بطرس البستاني: خطبة في آداب العرب، بيروت 1859، ص 34.
(31) أولاها في العدد 18032، 17 أيلول 1991.
والأخيرة في العدد 18037، 23 أيلول 1991.
(32) النّهار، العدد 18035، 20 أيلول 1991- مراسل تركيّ ربيع 1911: التعليم الخاصّ يفترس العثمانيّ.
والعدد 18036، 21 أيلول 1991- البليغ رفيق العظم ردًّا على أحمد ش
ريف. (33) عن جريدة "المفيد"، العدد 692، 15/5/1911، أحمد شريف والسوريّون (ترجمة حقّي العظم).


اورقة عمل قُدِّمت في مؤتمر "بيروت رائدة الحرّيّات في الشرق" (أنطلياس) في 6 تشرين الثاني 2009

 

جميع حقوق النشر محفوظة dr.josephelias.com