التحرير والاسترجاع
قرأت في "النهار"، يوم 6 آب 2008، نصّ البيان الوزاريّ أو الحكوميّ الذي بدأت مناقشته إعلاميّاً قبل أن يُنشَر، ومناقشته رسميّاً في المجلس النيابيّ يوم الجمعة في 8 آب 2008. ولمّا كانت المادّة 24 منه قد أثارت لَغَطاً في المناقشات السياسية والإعلاميّة قبل جلسة المناقشة الرسمية، وحازت قصَبَ السبق في مناقشات السادة النوّاب، رأيت أن أتوقّف عندها وأن أخصّها بهذه الأسطر.
افتُتِحت المادّة 24 بعموميّات يقولها ويكتبها كلّ لبنانيّ، وفيها : "وانطلاقاً من مسؤوليّة الدولة في المحافظة على سيادة واستقلال لبنان (سيادة لبنان واستقلاله) ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور، تُؤكّد الحكومة على ما يلي" (تُؤكّد ما يلي).
نقرأ الفقرة الأولى من المادّة 24، وفيها "حقّ لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبنانيّ من قرية الغجر المحتلّة، والدفاع عن لبنان في مواجهة أيّ اعتداء، والتمسّك بحقّه في مياهه. وذلك بالوسائل المشروعة والمتاحة كافّة". وقد اعترض الوزير نسيب لحّود، قبل مناقشة البيان، على صياغة هذه الفقرة، لأنّه كان يريد تضمينها تعبير "في كنف الدولة". كما اعترض العماد ميشال عون، في أولى جلسات المناقشة (الجمعة 8/8/2008)، على بعضها الآخر، حين عبّر عن إرادته أو رغبته في أن يقتصر الحقّ على التحرير فقط بدلاً من "التحرير أو الاسترجاع". وفي رأيي أن ليس ثمّة مسوّغ للاعتراضَين.
وفي التعقيب على اعتراض الوزير لحّود، أذكِّر ببضع كلمات صُدِّرت بها الفقرة الاولى: "حقّ لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع ....". تأمّلْ معي، يا معالي الوزير، ضمير الهاء في الكلمات الثلاث " بشعبه وجيشه ومقاومته". فصاحب الضمير أو الهاء هو لبنان، وكما أنّ الشعب شعب لبنان والجيش جيشه، فالمقاومة كذلك مقاومته. وحين تكون المقاومة مقاومة لبنان، فهي مقاومة وطنيّة لبنانيّة وليست مقاومة إسلاميّة، وكاتب العبارة لم يعنِ بإسناد الضمير إلى "المقاومة" غير المقاومة الوطنيّة. فإن قَبِل حزب اللّه أن تكون المقاومة في لبنان مقاومة وطنيّة لبنانيّة بحتة، فالمقاومة متاحة للبنانيّين جميعاً، وهي، إذ ذالك، في كنف الدولة ورعايتها، وإن أصرّ حزب اللّه على أنّ مقاومته مقاومة إسلاميّة، فهو غير معنيّ بما جاء في هذه العبارة.
وفي التعقيب على اعتراض العماد عون، أقول إنّ ما جاء في الفقرة الأولى من المادّة 24 هو بالحرف "تحرير أو استرجاع...". فالأوّل يكون بالوسائل العسكريّة الصِّرف، والثاني (الاسترجاع) قد يكون بوسائل أخرى كالدبلوماسيّة، والدّور الأبرز في الاسترجاع هنا يكون للأمم المتّحدة. وكأنّي بالعماد عون يتنكّر هنا للوسائل الدبلوماسيّة أو السلميّة، ويدعو إلى التّحرير بقوّة السّلاح؛ وفي هذا بعض المبالغة، ومبالغة العماد مستحبّة. فهل نسي دولة الرئيس ما جاء في الفقرة الثانية من هذه المادّة، وهو "التزام الحكومة قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 1701 بمندرجاته كافّة"؟ فهل تسمح هذه العبارة، أي التزام الحكومة اللبنانية قرار مجلس الأمن رقم 1701، للبنان، أو للحكومة اللبنانيّة، أو للمقاومة أكانت وطنيّة أم إسلاميّة، بالتحرير الذي يقترح العماد عون أو يشتهي، أي بقوّة السلاح؟ أمّا الفقرة الثالثة من المادّة 24، فلم يُشَرْ فيها إلى التحرير، لأنّ الكلام فيها دفاعيّ صِرف، وهو "العمل على وضع استراتيجيّة وطنيّة شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه، يُتَّفَق عليها في الحوار الذي سيدعو إليه فخامة رئيس الجمهوريّة بمشاركة الجامعة العربيّة ...". بيد أنّ الكلام في المادّة 25 من البيان ردّنا إلى الفقرة الأولى من المادّة 24، وميّز بين خيارين: التحرير أو الاسترجاع، فاختار الثاني، وفضّل الاسترجاع بالوسائل السلميّة. وممّا جاء في المادّة 25 نقرأ "... وسوف تعمل الحكومة اللبنانية من أجل انسحاب إسرائيل من الجزء اللبنانيّ من الغجر، وانسحابها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وعودتها إلى السيادة اللبنانيّة، بما في ذلك إمكانيّة وضعها موقّتاً تحت وصاية الأمم المتّحدة". الكلام هنا واضح وصريح، فما رأي العماد عون في هذا؟
ختاماً، أقول للوزير لحّود إنّ ما يطلبه يُلمَس أو يُقرَأ ضمناً، غير مرّة، في ثنايا المادّتين 24 و25 من البيان الوزاريّ، وأقول للرئيس العماد عون إنّ الجنديّ القديم، والعسكريّ المحنّك الذي تدرّج في المراتب، وخَبِر المواقع العسكرية في لبنان، أَدرى من غيره بما يكلّف طرح شعار التحرير كشعار فقط، أو مجرّد تبنّيه رسميّاً، وأَعرَف من غيره بما سيترتّب على هذا الشعار من خطورة يوم يوضَع موضع التطبيق الفعليّ. فهل يريد العماد عون للبنان أن يتحوَّل رسميّاً إلى دولة مقاوِمة ومجتمع مقاوِم؟
النّهار: العدد 23453، 29/8/2008
|