المادة 49 من الدستور
جاء، في الفقرة الأولى من المادّة 49 من الدستور اللبنانيّ، أنّ رئيس الجمهوريّة "يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقًا لأحكام الدستور". ولمّا كان "المُشترِع" لم يعطفْ فعلاً على آخَرَ بأن يقول "ويُحافِظ"، بل عطفَ كلمة "المحافظة" على المضاف المجرور "احترام"، فهذا يعني لنا "أنّ رئيس الجمهوريّة يسهر على احترام الدستور، وعلى المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه". ولمَن صاغ هذه المادّة نقول إنّ فيها خطأً واضحًا، ونسمح لنفسنا بأن نسأل مجلس النوّاب مجتمعًا: كيف يسهر الرئيس على احترام الدستور، وعلى المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه؟ ما نوع هذا السهر؟ وكيف يكون ذلك؟ وبأيّ الوسائل يكون السهر؟ ما تحديد ذلك؟ وما أمثلته؟ هذا كلام شاعريّ ضبابيّ لا قيمة له، وهو أشبه بنقد زائف لا يُصرَف في السوق.
ثمّ قرأنا العبارة التالية من المادّة نفسها، وفيها أنّ رئيس الجمهوريّة "يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى (القائد العامّ في الدساتير الأخرى) للقوّات المسلّحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء". لِنقرأْ معًا أيّها السادة النوّاب! فالرئيس هو رئيس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة، لكنّ هذه تخضع لسلطة مجلس الوزراء. فلِمَ أُقحِم هنا الاسم الموصول وصِلَتُه (التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء)؟ ولِمَ لم يردْ هذا في فقرة أخرى؟ نحن نسأل مَن صاغ هذه المادّة الدستوريّة: كيف يكون رئيس الجمهوريّة رئيسًا للمجلس الأعلى للدفاع، وقائدًا أعلى للقوّات المسلّحة، وليس له حقّ الإمرة عليها، لأنّها خاضعة لسلطة مجلس الوزراء الذي له حقّ الوصاية عليها، ما يعني عمليًّا أنّها تحت إمرته ؟ فحين يتّخذ مجلس الوزراء قرارًا يعني القوى المسلّحة، كقرار إعلان الحرب مثلاً، لا يكون ثمّة دور لرئيس الجمهوريّة في هذا القرار. وبعد التمعُّن في كلّ كلمة من كلمات المادّة 49، يُخَيَّل إلينا، أو نكاد نعتقد أنّ جهةً ما قد فرضت نفسها أو أقحمت نفسها في صوغ هذه المادّة، وفي هذه الصلاحية بالتحديد، فأرادت لها أن تكون ضبابيّة هكذا، كي تبقى صلاحيات رئيس الجمهوريّة مُنتَقَصَةً أو مُعَطَّلَةً. ولمّا كانت دساتير الدول كلّها تنصّ على أنّ رئيس الدولة هو القائد العامّ للقوّات المسلَّحة، وله قرار الحرب والسلم، أي قرار إعلان الحرب واتّخاذ قرار السلم، نتمنّى على السلطة التشريعيّة أن تبادر إلى تعديل هذه المادّة لتصحيح ما فيها من غلط أو تناقض، ولإزالة ما فيها من غبن لاحق بمقام الرئاسة الأولى أو رئاسة الدولة.
النّهار: العدد 24002، 31/3/2010
|