ملاحظات على مقالة سليم نصّار
قرأت في "النّهار" (صفحة القضايا)، يوم 23 آب 2008، مقالة الأستاذ سليم نصّار التي حملت عنوان "أزمة القوقاز تمنع إسرائيل من ضرب إيران". والأستاذ نصّار محلّل سياسيّ في غنى عن التعريف، فأنّى لمثلي أن يسائله أو يناقشه في ما يكتب؟ لكن، ثمّة هنات بسيطة في المعلومات التاريخيّة لا بدّ من التوقّف عندها، ولا بدّ من أن تُناقَش. فلْنرَ ما يمكن أن يكون موضوع نقاش في هذه المقالة:
1- يروي الأستاذ نصّار أنّ اللواء أحمد الحاجّ، سفير لبنان في لندن سابقاً، كُلِّف رعاية المصالح السورية في المملكة المتّحدة إثر قطع العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين سنة 1982. ونتيجة لذلك رُفِع العلم اللبنانيّ فوق مقرّ السفارة السورية. ولمّا بلغ الخبر العميد ريمون إدّه طلب إلى أحد أصدقائه "أن يلتقط صورة للعلم اللبنانيّ المرفوع فوق شرفة السفارة السورية". وحين تسلّم العميد إدّه الصورة "علّقها على جدار غرفته في الفندق الباريسيّ، واعتبرها شهادة عمليّة على اعتراف دمشق بدولة لبنان الكبير". وفي التعليق على الخبر أقول إنّ العميد إدّه قد بالغ كثيراً إن صحّت الرواية هذه. فالصورة شاهد ضعيف، ورفع العلم اللبنانيّ فوق السفارة السوريّة ليس سبباً لتأكيد اعتراف سورية بلبنان. وفي رأيي أنّ الاعتراف السوريّ بلبنان يرقى إلى أواخر عهد الانتداب، ولي بحث في هذا أثبتّ فيه غير مرّة أنّ نغمة الضمّ والإلحاق، أو حتى استعادة الأقضية الأربعة، قد خفت صوتها وضعفت حدّتها، بعد سنة 1936 (سنة المعاهدة)، ثم انطفأ ذكرها عند بداية الحرب العالمية الثانية. فالاعتراف موثَّق ومؤكّد منذ العهد الاستقلاليّ الأوّل، وقد أرسى دعائمه ما كان بين الرئيسَيْن شكري القوّتلي وبشارة الخوري من ودّ واحترام. أمّا الإعلام الذي هلّل قبل أسابيع لاستقبال الرئيس الأسد نظيره اللبنانيّ العماد سليمان استقبالاً رسميّاً في مطار دمشق الدوليّ، ورأى فيه اعترافاً رسميّاً سوريّاً بلبنان، فليس لي أن أقول فيه أكثر من أنّه إعلام طفوليّ.
2- يقول الأستاذ نصّار إنّ حزب "البعث العربيّ الاشتراكيّ" أُسِّس في دمشق يوم 7 نيسان 1947، وإنّ مؤسّسيه هم بالتحديد "زكي الأرسوزي وميشال عفلق وصلاح الدين البيطار ووهيب الغانم". والحقيقة أنّ الحزب المقصود بكلام الأستاذ نصّار هو حزب "البعث العربيّ" الذي أسّسه ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار عمليّاً قبل سنة 1947؛ ثمّ انعقد مؤتمره التأسيسيّ الأوّل في دمشق يوم 7 نيسان 1947، وحضره عدد من تلامذة زكي الأرسوزي، وفي مقدَّمهم الدكتور وهيب الغانم. وفي هذا المؤتمر شُهِر الحزب رسميّاً، فأُقِرَّ دستورُه، وحمل اسم "البعث العربيّ". أمّا الأسوزي نفسه فلم يكن يوماً من مؤسّسي حزب "البعث العربيّ"، ولم يحضر مؤتمره التأسيسيّ. وأمّا "البعث العربيّ الاشتراكيّ" فهو حزب تكوّن سنة 1953 من اتّحاد حزبين معاً، هما "البعث العربيّ" و"العربيّ الاشتراكيّ" (حزب أكرم الحوراني).
3- يقول الأستاذ نصّار إنّ موسّسي "البعث العربيّ الاشتراكيّ" (البعث العربيّ) وضعوا نُصب أعينهم مجموعة أهداف ثوريّة تتعلّق بوأد النظام الإقليمي الذي وضعه اتّفاق سايكس بيكو. وقد تصدّر قائمة التغيير هذه ثلاثة أهداف هي "استرداد اللواء السليب أي لواء الإسكندرون، ومنع قيام دولة صهيونية في فلسطين، واستعادة الأقضية الأربعة التي ضُمَّت إلى لبنان الصغير". وفي التعقيب على كلام الأستاذ نصّار أقول إنّ أمنيّة البعثيّين الأوائل كانت استعادة لواء الإسكندرون، والحؤول دون قيام دولة إسرائيل. لكنّ التمنّي شيء والواقع شيء آخر؛ ومع ذلك شارك بعض من هؤلاء في "حرب الإنقاذ" سنة 1948. أمّا الكلام على هدف ثالث هو استعادة الأقضية الأربعة من لبنان فغير صحيح، ولا ذكرَ لهذا الهدف في النظام الأساسيّ لحزب "البعث العربيّ" أو دستوره، ولا في "المنطلقات النظريّة" أو "المنهاج المرحليّ" الذي وُضِع في ما بعد. وذلك لسبب بسيط يعلمه الجميع، وهو أنّ مبادئ الحزب النظريّة تدعو إلى الوحدة العربية الشاملة. ومع ذلك، فقد كان الأستاذ عفلق يرى أنّ للبنان وضعاً خاصّاً واستثنائيّاً في مشروعه الوحدويّ.
4- علّق الأستاذ نصّار على ما جاء في الفقرة أو المادّة 24 من البيان الوزاري الذي تلاه الرئيس السنيورة في مجلس النوّاب يوم 8 آب 2008، فرأى في ذلك استسلام الحكومة اللبنانيّة لحزب الله، واعترافها بشرعيّة مقاومته الإسلاميّة. وقد كان لي رأي في ذلك يخالف هذا استناداً إلى ضمير الغيبة (الهاء) في "مقاومته"، وإلى ترجيح الحلّ أو الخيار الدبلوماسيّ في الفقرة 25 من البيان. وهو تفسير لغويّ صِرف ضمَّنتُه مقالتي التي نُشِرت في العدد 23453 من "النّهار" يوم 29 آب 2008. ومع ذلك، فأنا أحترم رأي الأستاذ نصّار في هذا.
ليعذرْني الأستاذ نصّار، فلست أتوخّى من كلامي هذا غير خدمة الحقّ والحقيقة.
النّهار: العدد 23489، 4/10/2008
|