الدكتور جوزيف الياس

فهرس: صفحة المدخل     سبرة علميّة       ملاحق     صور المؤلفات العامّة     صور الكتب المدرسيّة     مقالات جديدة    للاتصال بنا




تحيّة لروح "العريس" الشهيد




تحضرني اليومَ، في ذكرى شهداء السادس من أيّار، أسماء مَن قضى من شُهداء لبنان وسورية على أعواد المشانق عامَيْ ۱۹۱۵ و۱۹۱٦. لكنّ بين هؤلاء فتىً مميَّزاً دعوته في مقالة سابقة (النهار، ۲۷/٤/۲۰۰۹) "فتى العروبة الأغرّ. هذا العروس الفتى هو عبد الغني العُرَيسي (صاحب جريدة "المفيد") الذي زُفَّت إليه الحرّيّة في ثوبها الأبيض، وأبت أن تفارقه، فقضى شهيداً، وباتت كفناً له يوم ٦ أيّار ۱۹۱٦، وما له من العمر غير خمسة وعشرين ربيعاً.

وما يحضرني هنا من العُرَيسي الشهيد هو مقالته التي افتتح بها العدد الأوّل من جريدة "لسان العرب" التي حلّت محلّ جريدة "المفيد" المعطَّلة، والتي صدر عددها الأوّل يوم ۲۳ أيلول ۱۹۱۲. وقد حملت المقالة الافتتاحيّة هذه عنوان "باسم العرب نحيا وباسم العرب نموت"، وجاءت في خمسة أعمدة شغلت الصفحة الأولى كلّها. وممّا جاء في تلك المقالة: "نحن عرب عثمانيّون مهما حاول غلاة الاتّحاديّين نقض هذه الجنسيّة، لأنّنا خُلِقنا عرباً بالرغم من أنفسنا. فلو كان في الإمكان أن ينحطّ الرجل فينسلخ عن ماهيّة أمّته، لعذرنا القائلين بفكرة الذوبان؛ ولكن أبت النفس الكريمة أن تكون دنسة ساقطة... نعم، إنّنا عرب عثمانيّون بالرغم من أنفسنا، لأنّ الجنسيّة وديعة قد انتقلت إلينا من دون أن نشاطر آباءنا هذا الرأي فيها. فهي ضالّة يتناقلها الآباء عن الأجداد للأحفاد، ويا ويل خَلَفٍ يخون هذه الوديعة، فيصبح مثلاً لمذلّة الدهر ونقيصة الأبد...". وبعد أن يترحّم على المصلح العثمانيّ الكبير مدحت باشا، ويمتدح كامل باشا وحزبه "حزب الحرّيّة والائتلاف"، يضيف قائلاً:"نحن العرب أمّة حيّة لا تقبل الاستعمار بوجه من الوجوه، فلنا في هذه المملكة ما لغيرنا وزيادة، لأنّ نفوسنا أكثر عدداً وأراضينا أكثر اتّساعاً...". ويضيف قائلاً في مكان آخر:"إنّ الأمّة العربيّة لا تقدّم رؤوسها للجزّ ليستعلي عليها غيرها... والأمّة العربيّة لا تقطع سواعدها لتصل سواعد غيرها، بل تُحكِم الصلة في ما بين أفرادها حتّى يتّصل بها سواها. فمهما حاول المتشدّقون الاتّحاديّون أن يطمسوا هذه النزعة الطيّبة الصالحة، ويجعلوا العرب عَبَدة خَدَمة يُساقون كالبعير، فلن يستطيعوا...". ويختم العُرَيسي افتتاحيّته بالقول:"إنّ العربيّ لا يرضى أن يُساق سوق البعير مهما احتال الاتّحاديّون في الضغط. فقلب العربي ككرة المطّاط، كلّما ضغطت عليها ارتدَّت عليك صِداماً. فنحن باسم العرب نحيا وباسم العرب نموت".

هذا هو فتى العروبة الأغرّ، وهذا مَنْ قضى شهيداً بعد نحو أربعٍ من السنين، وهذا مَن قال إنّه يحيا ويموت باسم العرب وحدهم، ولم يقل إنّه يحيا ويموت باسم التُّرك أو باسم الفرس. فإن كنتم عرباً فقولوا قَولَتَه، وكفى..!


النّهار: العدد 24727، 11/5/2012

 

جميع حقوق النشر محفوظة dr.josephelias.com