الإعلام والسادس من أيّار
ما إن تقترب ذكرى السادس من أيّار كلّ عام، حتى تُشغَل وسائل الإعلام بإعداد ملفّاتٍ خاصّةٍ خاصّة بهذه الذكرى؛ والذكرى، في عرف الإعلام اللبنانيّ، هي "عيد شهداء الصحافة". وفي هذه المناسبة أيضاً، تحتفل نقابة الصحافة ونقابة المحرّرين بإحياء الذكرى التي كادت تغدو عيداً في عرف النقابتَيْن، بعدَما كرّستها وسائل الإعلام عيداً.
إزاء كلّ هذا، لا بدّ لي من ردّ، ولا بدّ من إيضاح بعض الأمور:
۱- السادس من أيّار ليس عيداً، بل هو إحياء لذكرى مَن أُعدِم من أحرار لبنان وسورية في السادس من أيّار ۱۹۱٦، وقبل السادس من أيّار وبعده. وهؤلاء جميعاً بالعشرات، وهم شهداء الحرّيّة أو شهداء لبنان وسورية، لكنّهم ضحايا ظلم جمال باشا السّفاح، وليسوا شهداءه كما قال بعضهم. وقد عالجت الفرق بين "الشهيد والضحيّة" في مقالة لي نُشِرت في "النهار" يوم ۳ كانون الثاني ۲۰۰٦، وأُعيدَ نشرها يوم ۲۰ شباط ۲۰۰۸.
۲- الذكرى هي ذكرى الشهداء بعامّة، لكنّ اللبنانيّين انحرفوا بها عن معناها الأساسيّ، فدعَوْها ذكرى شهداء الصحافة، وغالى بعضهم فدعاها عيداً. والشهداء مناضلون عملوا في سبيل حرّيّة لبنان وسورية قبل أن يكونوا صحافيّين. لكنْ، ليس هؤلاء جميعاً صحافيّين، فمنهم الصحافيّ ومنهم غير الصحافيّ، وما من مُسَوِّغٍ هنا لذكر بعض الأسماء. فلِمَ تُحصَر الذكرى بشهداء الصحافة؟ ولِمَ لا يُحصى غير شهداء الصحافة حين الوقت وقت إحصاء، ولا يُذكَر غير شهداء الصحافة حين الوقت وقت ذكر أسماء الشهداء؟ وبهذا يكون بعضنا قد خرج عن الأصل إلى الفرع، فأحلّ الفرع محلّ الأصل، و"البعض" محلّ "الكلّ".
۳- ولأنّ الشطط بلغ حدّاً لا يُطاق، والذكرى "هُلهِلَت" في الإعلام وابتُذِلت، فلم تبقَ قدمٌ إلاّ وطئت ساحتها، ولا ساق إلاّ خاضت في بركتها، ولا يد إلاّ عجنت في معجنها، ولأنّ المُتَبارين كُثُر، شاء أحدهم، عام ۲۰۰٦، أن يكون له قصب السبق هذه المرّة، لا إلى الكتابة في الذكرى السنويّة للسادس من أيّار، بل إلى الكتابة في الذكرى المئويّة. وهكذا طلع علينا الصحافيّ الأديب ماهر شرف الدين، يوم ۱٤ أيّار ۲۰۰٦، بتحقيق مطوّل شغل الصفحة الرابعة من "ملحق النهار" (العدد ۷٤۰)، وعنوانه "مئويّة شهداء الصحافة: مئويّة الكيان اللبنانيّ". وبهذا يكون ماهر قد استبق الزمن كسباً للوقت، فاختصر المئويّة واقتطع منها عقداً، ويكون، تالياً، قد برّأ ساحة الاتحاديّين (جمعيّة الاتّحاد والترقّي)، إذ ردّ إعدام أحرار لبنان وسورية إلى العهد الحميديّ البغيض، وهذه بدعة لم يُسبَقْ إليها.
هيّا يا قوم! تداركوا الخطأ، وتجنّبوا التعميم، وأعيدوا إلى الذكرى اسمها الحقيقيّ، ولا تندفعوا، بعفويّة أو سذاجة، وراء كلّ كلمة تُقال..!
النّهار: العدد 24755، 9/6/2012
|