التأريخ "الموَثَّق" في جبران تويني وصحافته
في مناسبة توقيع كمال ديب كتابَهُ "تاريخ سورية المعاصر"(6/12/2012)، أقول إنّني لم أنتهِ ممّا قلتُ في مقالته التي نُشِرت في "النّهار"، يوم 20/10/2012، تحت عنوان "حلب أعظم مدن الشرق تحترق". وما زلت أحترم ما جاء في جملتي الأولى المدوَّنة في أعلى المقالة، وهو أنّ كمال "أُمّيّ" في نظري. وها أنذا أُبرهن للسيّدَيْن جهاد ومحمّد جهلَ كمال وتقاعسَ مَن مرّت المقالة بين يديه اختياراً وقراءةً وتصحيحاً:
1- قال كمال "إنّ الجفاء (بين لبنان وسورية) صنعه أهل السياسة في البلدين منذ 1976" (ربّما عنى بذلك سنة دخول الجيش السوريّ لبنان). لِمَ تحديد التاريخ في سنة بعينها؟ فبدايات الجفاء تعود إلى القطيعة الاقتصاديّة عام 1950، وهي أكثَر وضوحاً في عهد الوحدة السوريّة المصريّة (1958-1961)، ووتيرتها أعلى في عهود "البعث" المتلاحقة، وذروتها تتمثّل في القطيعة بين النظام السوريّ ومسيحيّي لبنان (بعد عام 1977).
2- قال كمال إنّه رأى الجنود يهرولون في شوارع حلب، وهم يهتفون "لعيونك أبو سليمان"، ويُفهَم من سياق النصّ أنّ هذا كان حوالى عام 2007. وحين اتّصلتُ بأحد الضّباط السوريّين وسألته عن ذلك، سخر من هذا الزعم، وقال إنّ هتافاً من هذا النوع ممنوع في عهد بشّار الأسد.
3- وقال كمال إنّ شبّاناً إسلاميّين متشدّدينَ تجمهروا، قبل أشهر من زيارته، أمام المستشفى وهم "يشتمون المسيحيّين والصليب، فتصدّى لهم أهل الحيّ وضربوهم وردّوهم (كأنّهم أطفال) وجاء العسكر وأخذوهم". ومن دون أن أتّصل وأسأل، أقول أوّلاً إنّ هذا الكلام مُثير للسخرية والقرف، وأقول ثانياً أن لا مُزاحَ في هذا الأمر الذي لا يمرّ ﺑ"شَدَّة أُذُن". فمن يقلْ هذا القول أو يفعلْ هذا الفعل يختفِ في الدهاليز والأقبية.
4- وقال في المطران جرمانوس فرحات (1670 – 1732) بالحرف "تعود حياته إلى قرون سابقة". ما هذه الدّقة في التأريخ؟ وإلى أيّ قرن تعود يا ذا القرنَيْن؟ المطران فرحات هو مطران الموارنة في حلب في القرن الثامنَ عشَر.
5- وقال إنّ انطلاق المارونيّة كان من حلب قبل ألف عام. وبهذا يكون قد أضاع على الموارنة ستّ مئة سنة من تاريخهم.
6- ولَكَم أدهشني كمال بقوله إنّ عدد مسيحيّي حلب بلغ، عام 1900، ثلاث مئة ألف نسمة! وقد مرَّ بي في مراجع العهد العثمانيّ أنّ عدد سكان ولايَتَيْ "سورية وحلب" اللَّتَيْن ألَّفتا، في ما بعد، الجزء الأكبر من الجمهوريّة السوريّة، كان، في أوائل القرن العشرين، يقارب مليونَيْ نسمة. وروى أكرم الحوراني في مذكّراته (ج 1، ص 631) أنّ عدد سكّان سورية كان، عام 1947، حوالى مليونَيْن ونصف مليون نسمة. وروى كمال في كتابه "تاريخ سورية المعاصر" (أضعتُ رقم الصفحة) أنّ عدد سكّان سورية كان في الخمسينيّات حوالى ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة. فكيف يكون إذاً عدد مسيحيّي حلب عام 1900 ثلاث مئة ألف نسمة؟
7- أمّا على الصعيد الُّلغويّ فتقويمي لكمال أنّه شبه أمّيّ، وأنّه ما زال في مستوى تلميذ في المرحلة الابتدائيّة. وقد أحصيتُ له في هذه المقالة عشرات الأخطاء، ولكنّ أطرفها جمعُهُ "الحارة" على "الحَواري"، وهو جمع لم أقرأْه ولم أسمعْ به في حياتي. كما أنّه ضاع بين تذكير وتأنيث، فأنَّث المستشفى أربع مرّات. فإن أنتم جهلتم الخطأ وعجزتم عن تصحيحه فتلك مصيبة، وإن أنتم عرفتم الخطأ وتقاعستم عن تصحيحه فالمصيبة أكبر. وفي كِلتا الحالين (الجهل والمعرفة)، ارتضيتم لأنفسكم أن تكونوا شهود زور، وارتضيتم لصفحة "القضايا" أن تكون مَرتَعاً لقصّة أو حكاية يقصّها أو يرويها "حَكَواتيّ" ناجح. فحَذارِ ثمّ حَذارِ أن تنزلوا بمستوى "النّهار" أوّلاً وبمستوى "القضايا" ثانياً..!
النّهار: العدد 24878، 14/10/2012
|