لغة الإعلام العربي
تمهيد
الحديث عن اللغة العربيّة في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر وثيق الصلة بالحديث عن حركة الإحياء التي ذرّ قرنها في مطلع القرن، ولم تبلغ أوج عطائها إلاّ في النصف الثاني منه، وتحديدًا في أواخره. ولغة النصف الأوّل من القرن لغة سقيمة العبارة ركيكة الأسلوب، تشكو الكثير من العلل، وتكبّلها قيود هي وراثات أجيال من الانحطاط، نضبت فيها القرائح، فقلّ الإبداع، ولم يبق غير التكرار والاجترار. وأبرز علل اللغة، إذ ذاك، العجمة والركاكة التي جعلتها أقرب إلى العامّيّة، ومخالفة القياس صرفًا ونحوًا، وتفشّي المفردات الأعجميّة فيها، ولاسيّما التركيّة منها. وحين حاول الكتّاب تعويض النقص، أغرقوا في المحسّنات اللفظيّة، فزادوا اللغة تعقيدًا. وإذا ما جنحت هذه اللغة قليلاً عن السقط والركاكة إلى شيء من فصاحة اللفظ وبلاغة التعبير، فأنت لا تراها تحيد عن درب المحسّنات اللفظيّة (البديع) قيد أُنمُلة. وكيف تحيد وفي البديع يومئذ حلية النصّ الإنشائيّ وتعويض النقص؟ وأخصّ المحسّنات، وأكثرها شيوعًا يومئذ هو السجع. وهكذا نرى حَمَلَة لواء التجديد والإحياء، أو لنقل حَمَلَة لواء العودة إلى الينابيع والأصول، لا يحيدون عن هذه المحسّنات وعن التباري في اقتناص غريب اللفظ.
وقد يكون خير أسلوب أورثنا إيّاه النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، وأقربه إلى لغة الفنّ الصحافيّ هو أسلوب الخطب (أو المحاضرات) التي كانت تُلقى في جلسات "الجمعيّة السوريّة" (أُنشِئَت في بيروت سنة 1847)، بين سنة 1847 وسنة 1851. فلأعمال هذه الجمعيّة فضل كبير على حركة الإحياء الفكريّ والقوميّ، والعبرة من تلك النصوص، التي جمعها المعلّم بطرس البستاني ونشرها سنة 1852، هي في أساليب الخطباء (المحاضرين) الناطقين بالعربيّة، وفي مقدّمهم "ناصيف اليازجي، وبطرس البستاني، وميخائيل مدوّر، وميخائيل مشاقة، ونوفل نوفل، وسليم نوفل".
وقد رأينا أن نجعل هذا البحث في أربعة أقسام: أوّلها مرحلة البدايات، وندرس فيها لغة الصحافة في القرن التاسع عشر. وثانيها حركة الترجمة والتعريب في الصحافة. وثالثها مراوحة الكتابة الصحفيّة بين ارتقاء وانكفاء. ورابعها لغة الصحافة المعاصرة التي دَعَوْناها "لغة تزحل".
أوّلاً: مرحلة البدايات: صحافة القرن التاسع عشر
الطريق إلى النصّ الصحفيّ (1857)
خير صورة تُرسَم للغة ما قبل الصحافة، أو للغة ما يمكن تسميته بالعدد الصفر للصحيفة، هي البيان التمهيديّ الذي أذاعه خليل الخوري قبل صدور العدد الأوّل من "حديقة الأخبار" تحت عنوان "جرنال عربيّ". فهاكم إيّاه بنصّه الحرفيّ:
"قد تعلّقت الإرادة السنيّة الملوكيّة بإعطاء الرخصة بطبعه في مدينة بيروت رغبة في إشهار المعارف والفنون وتقدّم وتهذيب عبيدها الذين رشفوا كؤوس الراحة والأمان تحت ظلّها الظليل. فبناءً على الأوامر التي تشرّفنا بورودها سيُطبع هذا الجرنال في كلّ أسبوع مرّة، مشتملاً على كل ما يتعلّق بالفوايد الإنسانيّة. قسم منه يحتوي على أخبار بلادنا السورية مع الحوادث الأجنبية مترجمة من أحسن وأعظم الجرنالات، وقسم يشتمل على نُبذ مختلفة وفوايد علمية، وقسم يتضمّن ملاحظات وأمورًا متجرية، والقسم الأخير يبتدي بتاريخ مفيد يُطبَع بالتتابع بذيل كل آخر صحيفة من الجرنال كي تقطع تلك الأوراق الأخيرة كل عام ويجتمع منها كتاب تاريخ. وثمن هذا الجرنال بالعام ماية وعشرون غرشًا في بيروت وتوابعها، ويضاف عليه أجرة توصيله إلى الجهات، فيكون ثمنه إلى كل مكان خالص المصاريف ماية وأربعة وأربعين غرشًا. فنرجو من كل ذي عناية يرغب تقدّم البلاد، ومن كل ذي ذوق سليم يميل إلى التهذيب أن يبادر بكتابة اسمه إلى المدير".
لغة الإنشاء الصحفيّ (البناء والتركيب)
ليس الغرض الأساس من هذا البحث دراسة النصّ الصحفيّ دراسة فنّيّة جماليّة، بل هو استخلاص ما امتاز به هذا النصّ لغةً وبناءً، وتلمُّس وجوه الضعف التي طبعت لغته، فجعلته دون مستوى النصّ العربيّ الأصيل في العصر العباسيّ، والنصّ العربيّ الحديث والشائع منذ أواخر القرن التاسع عشر، أو منذ أوائل القرن العشرين وحتّى يومنا هذا. وفي هذا الجانب من البحث، نعالج مشكلات الهمز في اللغة إبدالاً وإعلالاً وتخفيفًا وقصرًا، كما نتناول تفشّي العامّيّة والركاكة في اللغة، وأثر اللغتين التركيّة والفارسيّة في الصحافة، والعبارة التي اختصّت بها صحافة المرحلة.
1- تخفيف الهمز: وهوكثير شائع في لغة الصحافة في سنيها الأولى، ولعلّ العلّة في عدم وجود همزة بين حروف المطابع، ومنها "المطبعة السوريّة"، حيث كانت تُطبَع "حديقة الأخبار". ومن نماذجه تخفيف همزة الوسط: يومل (يؤمّل)، يامر (يأمر)، يوخذ منه (يؤخذ منه)، ياتي (يأتي)، كاسه (كأسه)، شانه (شأنه)، المومل (المؤمّل)، الروسا (الرؤساء)، هولا (هؤلاء)، راس (رأس)، باس (بأس)، الراي (الرأي).
ومن أمثلته أيضًا تخفيف همزة الآخر أي حذفها، مثل: المنشي (المنشئ)، الملجا (الملجأ)، الموما أو المومى إليه (المومأ)، النبا (النبأ)، جز (جزء)، شي (شيء)، طار (طارئ)، مملو (مملوء)، ردي (رديء).
2- إعلال الهمز: وهو شائع شيوعًا تامًا في أمّ الصحف العربيّة أي "حديقة الأخبار" (بيروت 1858)، وظاهر من دون شمول في صحف أخرى، كـ"برجيس باريس" (باريس 1859). فمن أمثلته في صيغ منتهى الجموع: مسايل (مسائل)، صنايع (صنائع)، شرايع (شرائع)، طوايف (طوائف)، عوايد (عوائد)، نقايص (نقائص)، صحايف (صحائف)، صغاير (صغائر)، نتايج (نتائج)، مصايب (مصائب)، وسايط (وسائط)، بهايم (بهائم)، دواير (دوائر)، ذرايع (ذرائع)، وقايع (وقائع).
ومن أمثلته في المصادر والمشتقّات: لاعطايهم (لإعطائهم)، لاجرايها (لإجرائها)، بانتهايها (بانتهائها)، جايز (جائز)، قايد (قائد)، كاين (كائن)، دايرة (دائرة)، طايفة (طائفة)، لايحة (لائحة)، فايدة (فائدة)، نايمة (نائمة)، فايقة (فائقة)، رديّة (رديئة)، ريّس وريّيس (رئيس)، مشية (مشيئة)، مسيلة (مسألة).
ومن أمثلته في أوزان مختلفة: من وكلايها (وكلائها)، لاعضايها (لأعضائها)، التقرير النهايي (النهائي)، حينيذ (حينئذ)، اوليك واولايك (أولئك)، التيمت الجلسة (التأمت).
3- قصر الممدود: وهو علّة شائعة في النصّ الصحفيّ في تلك الفترة، ولاسيّما في "حديقة الأخبار"، ونذكر منه على سبيل المثال لا الحصر: الامرا (الأمراء)، الما (الماء)، البنا (البناء)، الوعا (الوعاء)، الدعا (الدعاء)، الفنا (الفناء)، البكا (البكاء)، الشقا (الشقاء)، الدا (الداء)، النسا (النساء)، القدما (القدماء)، الابنا (الأبناء)، الاشقيا (الأشقياء)، ارا الاعضا (آراء الأعضاء)، يمكن اجراها (إجراؤها)، الروسا (الرؤساء)، من تلقا (من تلقاء)، هولا (هؤلاء).
4- تاء التأنيث (زيادة أو إبدال): هي علّة بادية في النصّ الصحفيّ، لكنّها محدودة الأثر، وأكثر ما نقع عليها في "حديقة الأخبار". ومن أمثلة ذلك : نهر بردة (بردى)، الدعوة (الدعوى)، الموسيقة (الموسيقى)، الأولتان والأولتين (الأولَيان والأولَيَيْن)، الفخرة (الفخر)، استحقاق الوعدة (الوعد)، العهدة (العهد)، ليلة الاربعة (الأربعاء)، ليلة الثلاثة (الثلاثاء).
5- جمع المؤنّث السالم: يكثر في لغة الصحافة، يومئذ، جمع المفرد جمعَ مؤنّثٍ سالمًا؛ لكنّ أكثره مخالف للقياس جاء على غير ما جمعه النحاة، وأكثر ما تطالعك هذه الظاهرة في جمع مصادر المزيدات من الرباعيّ فما فوق.
ومن أمثلته: الحادثات (الحادث أو الحادثة)، الحاسّيّات (الحاسّة أو الحاسّيّة)، الخاصّيّات (الخاصّة أو الخاصّيّة)، الواقعات (الواقع أو الواقعة)، التشكّرات (التشكّر)، البنكات (البنك)، الخطبات (الخطبة)، الخطابات (الخطاب)، الخواجات (الخواجا أو الخواجة)، الدولات (الدولة)، النظامات (النظام)، القضاوات (القضاء)، الغرضيّات (الغرض أو الغرضيّة)، المعركات (المعركة)، البندقيات (البندقيّة)، الرسومات (الرسم أو الرسوم)، الشهادات (الشهادة)، التقريرات (التقرير)، التنظيمات (التنظيم)، التحويلات (التحويل)، التحريرات (التحرير)، التعصّبات (التعصّب)، الاعانات (الإعانة)، الاعلانات (الإعلان)، الاعلامات (الإعلام)، الانعطافات (الانعطاف)، الانعامات (الإنعام)، الالتفاتات (الالتفات)، الانتباهات (الانتباه)، الارتكابات (الارتكاب)، الارتباكات (الارتباك).
6- العامّيّة ومخالفة القياس: ما أكثر السقط في لغة الصحافة في سنيها الأولى! فمن خروج على قواعد الإملاء إلى خروج على قواعد الصرف باشتقاقات غير سليمة، ومن خروج على قواعد النحو إلى الخروج على الفصاحة والأصالة باستعمال مفردات وتعابير عامّيّة مأخوذة من أفواه العامّة لا من بطون المعاجم، ولم تعرفها العرب في قياس أو سماع. ولعلّ أبرز ما يستوقفنا في "حديقة الأخبار"، في سنيها الأولى، هو عدم حذف حرف العلّة من آخر المضارع المجزوم، وعدم حذف النون من الأفعال الخمسة المنصوبة أو المجزومة والإتيان أحيانًا بفاعلَيْنِ لفعل واحد كلغة أبي فراس في "أكلوني البراغيث". أمّا الأسلوب الذي تلتقي عليه الصحف يومئذ، فهو البدء بالاسم أحيانًا كثيرة على غرار الجملة في اللغات الغربيّة، أو البدء في صدر الكلام بعبارة "لا يخفى"، نحو "لا يخفى على القارئ أنّ ..."، ومثله البدء أحيانًا بكلمة "إنّه" نحو "إنّه في الصحيفة السابقة فصّلنا لكم ...". هذا فضلاً عن الإكثار من استعمال "حال كونه ...".
وإليك، في ما يلي، نماذج من المفردات والتراكيب التي خرجت فيها الصحف على قواعد اللغة، وعلى إجماع النحاة، ومن تلك التي بدت فيها بساطة الاستعمال فسرت على ألسنة العامّة:
"ابتدر اليه بتادية واجبات الضيافة (بادره)، اتته بالصرماية موضوعة على ... (بالحذاء)، أحاديث ودادية (ودّيّة)، الاحتفالات الكنايسية (الكنسيّة)، أخذ يدها وأقامها إلى فمه (ورفعها): ادمار الحشرات (تدمير، والأصحّ إبادة)، الأشخاص المستوجبون حمايتنا (صحيح على ضعف)، الافرنج الذين صاروا في هذا الزمان ماسكين زمام المسكونة بأسرها (ممسكين بزمام)، اقتضت آرا معدّلتها السنيّة وأنظار إصابتها العليّة تغييرا في هيئة الايالات، أنّ جناب سفير دولة انكلترا تجاه الباب العالي (لدى)، أنّ رجلاً انكليزيًّا دخل يوما إلى دسكرة ليتغدّى، وبعد جلوسه على المايدة وابتداه بالطعام (... مطعمًا ليتغدّى، وبعد جلوسه إلى المائدة وابتدائه بتناول الطعام)، أوعدنا (وعدنا)، أولايك (أولئك)، بادرت إلى اقتصاص الأثر (اقتفاء)، بادر للانقباض على تلك المرأة (إلى القبض)، برود (ج بريد والصواب بُرُد)، تخليص الذمّة (إبراء)، تخميد فتنة الثائرين (إخماد)، التشخيص (التمثيل)، تطبيقًا لمرموز المعاهدة المارّ ذكرها، تطمّحت الأفكار (طمحت)، تطوّحنا للقول انّ ... (ترد كثيرًا بمعنى اندفع أو بادر)، تلخّصنا من الرسايل الواردة (لخّصنا أو استخلصنا)، جات (جاءت)، حضرت لذلك المهندسون (حضر)، ذرعت بأرض قريبة (زرعت في أرض)، الرسايل الغير مدفوع كراها للبريد لا توخذ منه بل تسترجع لمرسلها (غير المدفوع أجرها ... بل تردّ أو تعاد إلى مرسلها)، ركّبه بالقلب (بالعكس)، سكّان الامريات الدانوبية (الإمارات)، الطيّار (التيّار)، عتاق الفلاّحين (إعتاق)، عزم على استيساره (على أسره)، فلتطمان (فلتطمئنّ)، القابل (المقبل)، قرأنا في أحد الجرنالات قطعة تبيّن حسن فطانة جنس الكلاب عمّا سواهم من الحيوانات وصدق خدمتهم لأربابهم (؟)، كان تحضّر (حُضّر أو أُعدّ) لهم سماط اكتفوا منه الجميع (اكتفى منه الجميع، والأصحّ اكتفوا منه جميعًا)، كان المعشر الأروبي متعجبًا بكتبة عربيين قد اقتفوا آثار المولفين الافرنجية منزهلاً بأشخاص سوريين قد أتقنوا ... (؟)، مجلس مركّب من اثني عشر عضو (مؤلّف ... عضوًا)، مخصوص بالاطبّا والجرايحيّة والصنادلة (الجرّاحين والصيادلة)، مراده اخراب البلاد (خراب)، المشروعة العظمى (المشروعات)، نختشي معارضتهم (نخشى)، نشر أبو الولد اعلاما (نشر الأب أو الوالد إعلانًا)، يجوز للمتوكّلين في ادارتها (للموكّلين إدارتها)، يركّب السنان (الأسنان. والمقصود طبيب الأسنان)، يلسقون بالأرض (يلصقون)، يمنعون تنفيش الغاز (تنفيس)، الينابيع النافوريّة" (؟).
7- مفردات تركية وفارسية: ما يعنينا في بحثنا هذا هو المفردات التركيّة (العثمانيّة) التي تردّدت كثيرًا على ألسنة العامّة، وتفشّت في النصّ الصحفيّ في طور نشأته، يليها قليل من المفردات الفارسيّة التي دخلت اللغتين العربيّة والتركيّة، واستمرّت شائعة في القرن التاسع عشر. فإليك ما قرأنا من هذه وتلك في صحف تلك الحقبة:
"أبّهتلو: صاحب الأُبّهة. أسكلة: مرفأ أو ميناء. أفندي: لقب كلّ عثماني من رجال الدين أو أرباب المسلك العلميّ. أوردي: جيش، أو قائد الجيش. إيالت: إيالة أو ولاية، مقاطعة. باره (فارسيّة): عملة تركيّة نحاسيّة اعتبارًا من سنة 1844. باش كاتب: رئيس الكتّاب. باشا: لقب الوزير والوالي ونائب السلطان. باي: لقب حاكم تونس. برزخ (فارسيّة): قناة أو مضيق. بشلك: قطعة نقود نحاسيّة تساوي 3 قروش. البكليك: الأملاك الأميريّة أو العامّة. بكباشي: ضابط برتبة رائد أو مقدَّم. البيرق (فارسيّة): العَلَم أو الراية. بيك: لقب كبار الموظّفين. بيكلريكي: أمير أو باشا، رتبة قائد. بيمارستان (فارسيّة): مستشفى أو مصحّ. تحصيلدار: جابي الضرائب. ترسخانة: دار الأسلحة. تشريفاتجي: مدير التشريفات. تشكّرمانة: كتاب الشكر، رسالة الشكر. جبخانة: مستودع الذخيرة والسلاح. جوق: جمع من الناس. حكمدار: الحاكم، قائد الشرطة. خاقان: من ألقاب السلطان. خان: لقب الملوك والأمراء من الترك. خديوي: لقب والي مصر. خزندار: أمين الخزينة أو الصندوق. خواجا وخواجة: مدرّس، لقب يطلق على المسيحيّ للتكريم. دسكرة (فارسيّة): قرية كبيرة. دفتر دار: رئيس المحاسبة أو المسؤول عن الشؤون الماليّة. دولتلو: صاحب الدولة. رفعتلو: صاحب الرفعة. روزنامة (فارسيّة): تقويم أو مفكّرة. زهراوي أو زهراوية: قطعة نقد عثمانيّة. سرايا: دار الحكومة (وسراي وسراية). سردار: قائد فرقة الجند. سرعسكر: قائد الجيش الأوّل برتبة مشير. سركي: صكّ أو تحويل، إشعار قبض. سعادتلو: صاحب السعادة. سفتجة ج سفاتج (فارسيّة): صكّ تحويل، بوليصة. سنجق: عَلَم أو راية، مقاطعة. سنجقدار حامل العَلَم. شوكتلو: صاحب الشَّوْكة والاقتدار. طوبجي: رامي مدفع. عربستان (فارسيّة على الأرجح): أُطلِقَت في العهد العثماني على بلاد الشام أو "برّ الشام". عرضحال: استدعاء، كتاب التماس. عزّتلو: صاحب العزّة. فرمان: مرسوم سلطانيّ. فضيلتلو: صاحب الفضيلة. قانوننامه: كتاب القوانين، مجموعة القوانين. قابق: زورق. قشلة: ثكنة عسكريّة. قونسلاس: قنصل. كاخيه (فارسيّة): كتخدا، معتمد الحاكم أو الوالي وكاتم سرّه. كتخدا (فارسيَّة): رئيس الأتباع في البيت، رئيس المُستَخدَمين، أمين النفقة، مدبّر. كرخانة (فارسيّة): معمل. الكمرك ثمّ الجمرك (فارسيّة): دائرة المكوس. ليرا مجيديّة: ليرة ذهبيّة ضُرِبت باسم السلطان عبد المجيد. مكتوبي الولاية: أمين سرّ الوالي أو كاتبه. مهرادار: حامل الأختام. نارنج (فارسيّة): ضرب من الليمون معرّب نازنك، وأصل معناه "أحمر اللون". نيشان (فارسيّة): وسام. همايون وهمايونيّ: من ألقاب السلطان. ويركو: ضريبة، خَراج، إتاوة".
8- مفردات وتراكيب خاصّة بالمرحلة (عثمانيّة): للحقبة التي ندرس لغتُها ومصطلحُها الخاصّ الذي شاع على ألسنة الناس وعلى صفحات الصحف، حتّى غدا سمة خاصّة بالمرحلة. فثمّة مفردات وتراكيب خاصّة بالقرن التاسع عشر، ولاسيّما نصفه الثاني الذي شهد نشأة الصحافة العربيّة، وهذه المفردات والتراكيب غلب عليها الطابع العثمانيّ، إذ امّحت الحدود في بعضها بين جذر عربيّ وجذر تركيّ، والتبس أمرها على القارئ، حتّى شقّ عليه أن يميّز بين هذا وذاك. ومع الزمن، مات بعض هاتيك المفردات، وبقي بعضها يتردّد على الألسنة حتّى يومنا هذا. فإليك نماذج من تلك المفردات والتراكيب:
"أصحاب العجلات (سائقو العربات)، أعضا المشورة العسكريّة، أقلام الماعز (رسوم تعداد المواشي)، الألسن (اللغات)، الأمر السامي (السلطانيّ)، الباب العالي (مقرّ السلطان في الآستانة)، بحر الروم (البحر الأبيض المتوسّط)، بحر النيل (نهر النيل)، برزخ السويس (قناة السويس)، برّ الشام (الداخل السوريّ)، البلاد الإفرنجيّة (الغرب المسيحي أو الأوروبيّ)، تحت الترسيم (تحت الحفظ)، تحرير النفوس (الإحصاء)، التحزُّبات المذهبيّة، تَبِعَة الدولة (المسلمون)، تقويم وقايع وتقويم الوقايع، تلاوة الجرنال (قراءة الصحيفة)، ثغر بيروت، الجلوس السلطانيّ، الجلوس الهمايونيّ المأنوس، جمعيّة السلطنة العثمانيّة العموميّة، الجنسيّة (القوميّة)، جون العجم (الخليج)، الحواليّة (الجباة ومن يرافقهم من رجال الأمن)، الدسكرة (استُعمِلت في الحديقة بمعنى النُّزُل أو الفندق: دسكرة المنظر الجميل)، دولة المتصرّف، دولة الوالي، الذات الشاهانيّة، الذوات العظيمة والذوات الفخام، راموز ومرموز، الرسوم الأميريّة، رعايا الدولة (أهل الذمّة أو النصارى)، زقاق (تستعمل دومًا بمعنى شارع)، سعادة الخديويّ المعظّم، السفاين الفرنساويّة، السفر (الصفر)، السلطان، سلطنة الصين، السلطنة العثمانيّة، السلطنة الفرنساويّة (الأمبراطوريّة)، السنجق أو اللوا (القضاء)، السهام (الأسهم)، الشراكة (الشركة)، صاحب الصدارة العظمى، صاحب النيافة (تستعمل للأسقف والبطريرك والبابا)، الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، صوالح العباد، الضبطيّة (قوى أمن محلّيّة من أبناء البلاد)، الضحيّة (الأضحى)، العساكر السلطانيّة (تُستَعمل بدل الجيش والجيوش)، العساكر الطوعيّة (المتطوّعة)، عمالات الدولة (مستعمراتها)، العُهدة (تُستَعمل بمعنى المعاهدة)، غرش وغروش، فخامة خديوي مصر، الفرمان السلطاني، الفرمان العالي، القايمقام والقايممقام، القرعة العسكريّة الشرعيّة، قصبة البلاد (عاصمتها)، قلم المتصرفيّة، القناطر السعيديّة (القناطر الخيريّة بمصر)، القهوة (بمعنى البنّ)، كشف أمريكة أو أمريكا (اكتشاف)، الكيس (500 قرش)، مامور وماموريّة (مأمور ومأموريّة)، المتصرّف، متصرّفيّة جبل لبنان، المتسلّم أو متولّي القرية (ممثّل السلطان فيها)، المتقدّم (بمعنى الرئيس أو المقدّم بين قومه)، مجلس الأحكام العدليّة، مجلس الإدارة الكبير، المجلس التجاري (غرفة التجارة)، مجلس تجارة بيروت، مجلس التنظيمات، مجلس الجنايات، مجلس المديرين، مجلس الولاية، محلّ الامضا (التوقيع)، مدرسة كلّيّة (كلّيّة عالية أو جامعة)، مرسح (مسرح)، مرسى (تُستَعمل كثيرًا للدلالة على المرفأ)، مسح الأراضي، مشاجرة (أُطلِقت على الحرب بين سردينيا ونابولي)، مشير الخارجية، مشير الفيلق، مصابيح الغاز، معتمدو الدول العظام، مقاطعجي (ملتزم الجباية في إحدى المناطق)، المكاتب (المدارس الحكوميّة)، المكاتب (المكتبات)، الملوك العظام والروسا الفخام، الممالك المحروسة، منشور الوزارة السلطاني أو منشور الوزارة العالي، الملّة (الديانة أو الطائفة)، ناظر الخارجيّة (الوزير)، ناظر المعارف، النجم ذو الذنب (المذنّب)، نظام التحويلات، نظامات لبنان، وزيري سمير المعالي (ترد غالبًا في أعلى الفرمان أو الخطّ الهمايوني)، وكلا دعاوى، وكلا الدول، الولادة السلطانيّة السعيدة، ولاية سورية الجليلة".
9- علامات الوقف: في صحف جديدة ناشئة كـ"حديقة الأخبار" مثلاً، وفي خمسينيّات وستينيّات القرن التاسع عشر، يشقّ عليك أن تقع على نقطة أو فاصلة، وعلى علامة تعجّب أو استفهام، أو غير هذه وتلك من علامات الوقف. والعلامة الوحيدة النادر ظهورها على صفحات الصحف هي النقطة، وفي ختام الفقرة غالبًا، وهذه علّة نابت صحافة القرن التاسع عشر وطال أمدها، فتأخّر ظهور الوقف على الصفحات وبين الكلمات زمنًا غير قليل، حتّى إنّك تمرّ بالعرض الإخباريّ الشبيه بالافتتاحيّة وهو الأكثر شيوعًا، وتمرّ بمقالة الصفحات الداخليّة، وهي نادرة، وبالخبر المحلّيّ والخارجيّ والإعلان، فما تقع في أيّ منها على علامة وقف واحدة. بيد أنّنا رأينا محرّر "حديقة الأخبار" يعتمد التنقيط بين العبارات المسجّعة في جزء من افتتاحيّة العدد الأوّل ويهملها في الجزء الثاني، وبين الاثنين قصيدة عصماء. أمّا محرّر "برجيس باريس" فتراه يعتمد، بين العبارات المسجّعة في افتتاحيّة العدد الأوّل، نجمة خماسيّة ما تلبث أن تختفي في بقيّة الصفحات، ولا نقع على هذه النجمة في ما تلا من أعداد إلاّ حيث ثمّة مقالة أدبيّة أو نصّ قصصيّ.
ثانيًا: التّرجمة والتّعريب في الصّحافة
لا نأتي بجديد إذا ما تحدّثنا عن الترجمة إلى العربية في العصور الخوالي، فهي فنّ قديم اشتهر به تراجمة مختصّون في العصر العبّاسي. أمّا الترجمة الحديثة فهي قد جاءت بعد إنشاء المطابع، وتلازمت مع الانطلاقة التي شهدتها طباعة الكتاب العربيّ. لذا نرى أنّها بُعِثت مجدّدًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولعلّ أهمّها وأكثرها رهافةً ودقّةً وصعوبةً الترجمة الصحافيّة في الخبر والإعلان وبعض المقالات.
أوّل مواجهة صحافيّة مع الترجمة كانت لخليل الخوري في "حديقة الأخبار" (صدرت في 1/1/1858)، وهي في أسابيعها الأولى، حين عرّب بعض المصطلحات العلمية مثل "الكلفانيزم" و"الغلفانوبلتي" و"الديوكروتيب" و"الفوتغرافيا"؛ وإذ أربكه الأمر، وحار بين ترجمة وتعريب، قال: "ذكرنا هذه الألفاظ (أي المصطلحات السابقة) على حسب اصطلاح جميع اللّغات، إذ إنّهم يذكرونها بالاسما التي وُجِدت بها. ولو وجدنا لها اسمًا عربيًّا لما سمح لنا صاحب القاموس أن ندرجها بصفّ الألفاظ العربيّة، لأنّه قد سكّر قاموسه وأخذ مفتاح اللغة معه، وحضرة العلما لا تسمح بأن يُزاد عليه شي. فلذلك بقيت لغتنا، مع سعتها، خالية من ألفاظ واسما الموادّ التي وُجِدت بعد تاليف قاموسها ... فلا باس من استعمالنا بعض الألفاظ الاجنبية عساها، على التكرار، أن توتلف (تأتلف) مع الألفاظ العربية". ويضيف الخوري أنّ كثيرًا من الألفاظ قد عُرِّب، مثل "كلمة مقلد أي مفتاح، فإنَّ أصلها قليدس في اليونانية. والعلما القدما في زمن الخلافة العبّاسيّة، حين ترجموا كتب اليونان، أدخلوا ألفاظًا كثيرة من اليونانيّة مثل هيولى وأرخون وأخيرن، وهلمَّ جرًّا، ومن الفارسيّة بولاد وباذنجان وراتينج ورهنامج. ويوجد أيضًا كلمات من التركيّة والعبرانيّة والسريانيّة ...".
وفي السنة التالية، كانت لرُشَيْد الدحداح مواجهة آخرى مع الترجمة والتعريب، فشرح لنا، في فاتحة العدد الأوّل من "برجيس باريس" (23/6/1859)، خطّته ومنهجه في ذلك. قال: "في ترجمتنا الأسماء الأعجمية، نبحث لها على ما يقابلها حقيقة من العربية، فإن لم نجده اجتزينا (اجتزأنا) بما يقرب إلى المطابقة، وخصصناه بذلك الشيء. وإن لم نجد هذا أيضًا، وضعنا له من العربية ما فيه دلالة على معناه اصطلاحًا، ولا مشاحة في الاصطلاح، فإنّ العلماء استعملوه وأباحوه؛ وأَخلِقْ بنا الاستعانة بالعربية من الاستعارة من اللغات الأجنبيّة ...". وقد رأينا رُشَيْد الدحداح، محرّر "برجيس باريس"، يطبّق منهجه في الترجمة على كلمة "جورنال" المأخوذة من "جور" أي "يوم" بالفرنسيّة، فيدعوها في الترجمة "مياوِمة". بيد أنّه يعد بأن يترك الأسماء الأعجميّة على أصلها إذا تعذّر عليه إيجاد ما يطابقها أو يقابلها في العربيّة، وهذا هو التعريب بعينه.
وبعد نحو ثلاثة عقود، تحدّث أحد محرّري مجلّة "المقتطف" (آب 1886) عن الترجمة وآثارها في الكتابة وفي الأساليب العربية الحديثة، فقال: "مُسِخت العربيّة إلى صورتَيْن مختلفتَيْن، إحداهما متولّدة من الترجمة التركية، وهذه نسمّيها تجوّزًا العربيّة المستتركة، والثانية ناشئة من الترجمة من اللغات الإفرنجيّة، وهذه ندعوها العربيّة المتفرنجة. وليس السبب في ذلك الترجمة، بل السبب المترجمون الذين يتهافتون على ترجمة الكتب وصحف الأخبار، وهم غير حاصلين على سلائق عربيّة وملكات لغويّة، وغير عالمين بأساليب الكلام العربيّ وطرق التعبير فيه، فيترجمون الكلمات والجمل كلمةً كلمةً وجملةً جملةً بألفاظ سخيفة وعبارات ركيكة لم ترد تراكيبها في لغتنا، فيأتي كلامهم المُترجَم بعيدًا عن أساليب العرب بمراحل". ويرى محرّر "المقتطف" أخيرًا أنّ العربيّة مريضة مشرفة على التلف والضياع ما دامت حال الترجمة على هذا المنوال.
وفي ما يلي نحاول أن نرصد دور أُمّات الصحف العربية، وفي مقدَّمها "حديقة الأخبار" و"برجيس باريس"، في مواجهة الترجمة والتعريب، وجهدها في تلمُّس أفضل السببل إلى الترجمة أوّلاً، فالتعريب ثانيًأ، مع تبيان ما في الفصل بين الاثنين من مشقّة تكابدها صحافة ناشئة تحبو على دروب هذا الفنّ العويص.
1- مفردات ومصطلحات غربيّة مترجمة: في المفردات والمصطلحات المستخدمة في الترجمة طرافة وجِدّة وجهد بالغ يبدو واضحًا في الاشتقاق والنحت؛ لكنّ ذلك، على ما فيه من طرافة، لا يخلو من تخبّط وضعف واضطراب. وهكذا قلّت الإصابة في إيجاد اللفظ البديل المناسب، وكثرت المترادفات، فضلاً عن تقليب اللفظ على عدّة وجوه. فإليك نماذج من أسلوب الترجمة:
"الآبار الهندسيّة (العموديّة أو الأرتوازيّة)، الآلة البخاريّة، أحبار رومة، أسعار قطع الأوراق (الكمبيو أو البورضة)، إعلام (إعلان)، إعلان (إعلان تجاريّ بالمفهوم الشائع في أيّامنا هذه)، إعلان (Avis)، الألعاب المرسحيّة (المسرحيّة، ويعني بها التمثيل)، امريكا المتوسّطة (الوسطى)، انفجرت طلقة كهربائيّة (صاعقة)، البحر الأكبر (المحيط الهادئ)، البحر المحيط (الأطلسي)، البلاد المتَّحدة الاميريكيّة، الجريدة (بمعنى العدد استعملتها الحديقة لأوّل مرّة في 26 حزيران 1858)، جلالة الايمبراطور (أمبراطور فرنسا)، جمهورية الولايات المتَّحدة (استعمال متأخّر)، الحبل التلغرافيّ (سلك البرق)، الحرس العاهليّ (الحرس الأمبراطوريّ) والعاهل (الأمبراطور)، الخطاب (بمعنى الحديث أو المحاضرة)، دار العرض (الآستانة حيث يُقام المعرض)، دار الندوة (مجلس نوّاب فرنسا)، دار ندوة بريطانية (مجلس العموم)، دار ولاية الكردينال، الدروب الحديديّة، دودة القرمز والصبر الذي تقتات منه (المقصود دودة القزّ، إنّما لم نفهم ما الصبر الذي تقتات منه)، الدول المتّحدة (يعني بها الولايات المتَّحدة)، ديوان الشورى (مجلس الأعيان أو الشيوخ في فرنسا)، ديوان الندوة (مجلس النوّاب في فرنسا)، رسالة برقيّة (استعمال متأخّر)، رسالة تلغرافيّة أو تلكرافيّة، رسالة كهربائيّة (برقيّة)، رواية تلحينيّة (أوبّرا)، رواية عربيّة كوميديّة، ريّس وريّيس السفارة (السفير في ما بعد)، زيت الأرض والزيت الأرضي (المرجّح أنه يعني النفط)، السفير، سفينة البخار، سلك الاشارة (البرق)، سلك الحديد للإشارة والتراسل، السيّال الكهربائيّ (Le fluide électrique)، الشراكة (الشركة)، صاحب السمو (الأمير)، صاحب العظمة الايمبراطوريّة (أمبراطور فرنسا)، صاحب القداسة الحَبر الرومانيّ، صحيفة (صحايف الأخبار)، صحيفة (صحف الأخبار)، الصحيفة (استعملتها الحديقة كثيرًا بمعنى العدد)، صناعة التشخيص (التمثيل)، الضيقة العظمى والضايقة الماليّة، العاهل (ترجمة كلمة أمبراطور)، العدد (استعملت الحديقة "النمرة" أوّلاً ثمّ "العدد" في 13 شباط 1858)، عمالات إنكلتيرة أو إسبانية (المستعمرات)، الفنون المرسحية (المسرحيّة)، قدس الحَبر الأعظم، القسم الخامس من الدنيا (أوقيانيا)، القنابر الجهنميّة (الحرّاقات)، الكرسيّ الرسوليّ، مجلس السادة والسادات (مجلس الشيوخ أو اللوردات)، مجلس العموم (استعمال متأخّر قليلاً)، مجلس المشورة (مجلس الشورى أو المستشارين)، محالفة إيطاليانيّة (بمعنى حلف أو تحالف)، محفل الوكلا الفخام، المخابرات بين فلان وفلان، المرسح (المسرح)، المعرض العثمانيّ، معطرة (محلّ بيع العطور)، المفاوضة (ترجمة لكلمة ريبوبليك، ويعني بها الجمهوريّة)، الممالك المتَّحدة الاميركيّة (الولايات المتَّحدة)، منشور البابا والبابة، منشور قداسة الحَبر الأعظم، الموصل البرقيّ والموصلات البرقيّة، مُياوِمة (صحيفة يوميّة)، ناظر الأمور الخارجيّة (الوزير)، ندوة الشرفاء (مجلس اللوردات أو الشيوخ)، ندوة العامّة (مجلس العموم أو النوّاب)، النقيب (قائد العسكر أو الجند)، نقيب دار الندوة (رئيس مجلس النوّاب)، نقيب الشورى الصغرى (كونسيل ديتا)، نقيب الشورى الكبرى (رئيس مجلس الشيوخ)، نيافة البابة أو البابا، نيافة الحَبر الأقدس أو الأعظم، الوزير الأعظم (رئيس الحكومة)، الولايات المتحالفة الجرمانيّة".
2- مفردات ومصطلحات غربيّة معرّبة: عمد محرّرو الصحف الأولى إلى النقل أو الترجمة قبل كلّ شيء. لكنّ الكثير من المفردات والتراكيب لم يكن يقبل ذلك، فاضطُرّ الصحافيّون إلى الإبقاء على الأعجميّ بلفظه، محاولين التوفيق بينه وبين مخارج الحروف العربيّة، فوقعوا في الاضطراب، وراحوا يقلّبون اللفظة المعرّبة على أكثر من وجه. وفي ما يلي نعرض نماذج من المفردات أو المصطلحات المعرّبة: "أجزيبة (صيدلية)، الافرنج (الغربيون أو الآوروبيون)، أميرال وأدميرال (أمير البحر أو قائد البحريّة)، الإيمبراطور ثم الأمبراطور، البابة والبابا، البرتسطانية (البروتستانتيّة)، باركه (مركب أو زورق Barque)، برنس (أمير)، بريق (نوع من السفن)، بنك ج بنكات وبنوكة. ومنه: بنك أوتومان (البنك العثماني)، البورس (البورصة، دعتها الحديقة مجمع التجارة الجديد)، البوستة أو البوسطة (البريد)، البوليسة والبوليصة (قائمة أو بيان بدراهم وبضائع)، التلكراف ثمّ التلّغراف. ومنه: رسالة تلغرافية (رسالة برقيّة)، الجاز (الغاز)، الجاز الكربونيك (غاز الكربون)، جرنال ثمّ جورنال، جنرال، خارتة (خارطة)، دروغمان (ترجمان)، الدوقتير (الدكتور أو الطبيب)، دوك ثم دوق، ديوكروتيب (Daguerréotype)، سكونيا (نوع من السفن)، سنديك (وكيل الدائنين، مندوب تجاري)، طلمبة وطلومبة (مضخّة)، غازتة وغازيتا (صحيفة)، غلفانوبلستيك (Galvanoplastie)، فابور ووابور (سفينة بخارية)، فبريقة (فبركة، معمل)، فرقاطة وفرقاطون (بارجة حربيّة)، فرماسية وفرماسيا (صيدليّة)، الفوتغرافيا (التصوير الشمسيّ)، فسفاط (فوسفات)، القبطان (الكابتن، الربّان)، قنصلاتو وقونصولاتو (قنصليّة)، القومبانيّة (الشركة)، قومسيون (لجنة أو مجلس)، كرام (غرام)، كراندوق وغراندوق، الكرديشتي (كتاب القوانين التجاريّة)، الكردينال، الكرنتينا، الكّروسة (طريق العربات)، كريدتو (Crédit)، كريزي وكريزه (Crise)، كلفانزم (Galvanisme)، كمبيالة (سند)، كمبيو (صرافة، أسعار العملات)، كنشلير (Chancelier)، كومبانية السكورتا (شركة التأمين)، الكونت والقونت والكنط، الكونتة والقونتة، لرد ولورد، ماريشال، مجلس البرلمان، مدموازيل، مدام ومادام، مركيز، مغنيسيا (منغنيز)، منيفاتورة (مصنع)، موسيو (السيّد)، نمرة (Numéro)، هوتيل وأوتيل، ويشي" (مياه فيشي).
3- تعريب الأعلام: أغلبيّة أسماء العَلَم كان يُلفَظ بها على غير ما هي اليوم. فالاضطراب واضح في اللفظ ومخارج الحروف، كما هو في تعريب المصطلحات الحديثة. وهذه الأسماء من الكثرة بحيث ما تكاد تُحصى؛ بيد أنّنا نكتفي بأبرزها وأكثرها شيوعًا أو تردادًا في الصحف، وهي موزّعة بين عَلَم الأشخاص وعَلَم الأماكن، وأسماء بعض الصحف المعروفة يومئذ.
1- عَلَم الأشخاص: "إليصابات (إليزابيت)، جاريبالدي وكاريبالدي (غاريبالدي)، جوليا فيلكس (فليكس)، رسين وراسين، رينود (رينو)، سين لوي (سان، مار لويس)، سينت هلانة وهيلانة (القدّيسة هيلانة)، كلادستون (غلادستون)، فريدريك كيلّلوم الرابع (غليوم)، فليشر وفلايشر، فيكطور عمنويل (فيكتور عمانوئيل)، القونتة إدموند (الكونت إدمون)، كولمب وكولومب، لرد ديزرايلي وديسراييلي، لرد بالمرستن وبالميرستن وبالمرستون، لرد رسل وروسل، مدموازيل راحيل (راشيل)، نابليون ونابوليون".
2- عَلَم الأماكن: لاحظنا أنّ أسماء الدول أو البلدان المؤنّثة تنتهي في "حديقة الأخبار" بالألف (مثل: فرنسا وإسبانيا)، وتنتهي في "برجيس باريس" بالتاء المربوطة (مثل فرنسة أو إفرنسة وإسبانية). فهاكم نماذج منها ومن أعلام الأماكن الأخرى: "الآستانة، آسيا وآسية، الأتلنتيك (عنى البرجيس بها المحيط الهادئ)، إرلندة وإيرلندة، أروبا والأوربا وأروبة، إسبانيا وإسبانية، إسلامبول (الآستانة)، أفغانة (أفغانستان)، ألمانيا وألمانية، أمركا وأمريكا وأمريكة وأميريكا وأميريكة، أميريكة روسية (ربّما عنى بها الآلاسكا)، أميريكة إنكلتيرة (عنى بها كندا)، إنكلترة وإنكلترا وإنكلتيرة، أوستريا، أوسيانية وأوصيانية، إيطاليا وإيطالية، الباراكه (الباراغواي)، باريس وباريز وبريس، بروسيا وبروسية، البريزيل (البرازيل)، بريطانيا وبريطانية، بريطانية الكبرى، بريطانية الجديدة، البغدان والبغضان، البلجيك وبلجيكا، البلطق (بحر البلطيق)، بلاد التاتار (التتر)، بنغازه (بنغازي)، البورتوكال والبرتقال والبرتوقال (البرتغال)، بولونيا وبولونية، البوليفي (بوليفيا)، بيروت الزهرا (لقب بيروت)، البيروه (البيرو)، توسقانة (توسكانا)، جبون (اليابان)، جرمانيا وجرمانية، جينيوا (جنوى)، الدانمارك والدانيمارك، دير لويز في كسروان (دير سيّدة اللويزة)، روسيا وروسية، روما ورومة ورومية، زغورتا (زغرتا)، السرب وسربيا (الصرب)، سردانية (سردينيا)، سكسونيا، السويس وسويسرا، سينيكال (سينغال)، شنك هاي (شنغهاي)، شيكاكو (شيكاغو)، شيلي (تشيلي)، صين الصين (؟)، طتوين (تطوان)، عربستان (بلاد الشام أو برّ الشام)، العجم (إيران)، غانة (غانا)، الغرب الأقصى ثم المغرب الأقصى، فرنسا وإفرنسة، الفرس (إيران)، الفلاخ والافلاق، الفلمنك (الأراضي المنخفضة)، القسطنطينية (الآستانة)، كريد (كريت)، كريس (اليونان)، كلف المكسيك (غولف، خليج المكسيك)، كلكتة (كالكوتا)، الكنكو (الكونغو)، كوبنهاج (كوبنهاغن)، الكولمبي (كولومبيا)، الكويان (غويانا)، لندره ولوندره ثم لندن، لومباردية (لمبارديا)، ليبسيغ (ليبزغ)، مالطا ومالطة، ماليزي (ماليزيا)، مرسيليا ومرسيلية، مكسيكا ثم المكسيك، ميلان (ميلانو)، الموزنسيك (الموزمبيق)، نابلي (نابولي)، النورفيج (النروج)، همبورك (همبورغ)، هند الصين (الهند الصينية)، هولاندا وهولاندة وهلاندة، هونج كونج (هونغ كونغ)، هونكريا (هنغاريا) ، وشينكتن ووشانتن (واشنطن)، وارسوية (وارسو)، الواتيكان والفاتيكان".
ج- أسماء صحف: "إللّيستراسيون (دعتها الحديقة الاشتهار)، البريس، البلميوت، هيرالد، التيمس والتايمس، الديلي نيوس والدايلي نيوز، غازتة أو غسطة، غازتة الناسيونال، غازتة هانوفرا، غازتة كولونيا، الكونستيسيونيل، المورنين بوست (بريد الصباح) والمورنين بصط، المورنين كرونيكل، المونيتور والمونيطور (الجريدة الرسميّة الفرنسيّة)، الوست دست بوست".
4- النسبة إلى العَلَم الأعجميّ: نختتم موضوع الترجمة والتعريب بنماذج من النسبة إلى الأعلام الأعجميّة، لأنّ في صوغها واستعمالها طرافة لا تقلّ عن طرافة العَلَم في تعريبه، وإنّك لترى في النسبة إلى الاسم بعض الغرابة أو الاضطراب الذي تراه في تعريب الاسم نفسه. ونذكر منها: "إرلاندي (إيرلنديّ)، أروباويّ ثم أورباويّ (أوروبيّ)، إسبنيوليّ وإسبانيوليّ (إسبانيّ)، إفرنسيّ وفرنساويّ، أمريكانيّ وأميريكانيّ (أميركيّ)، إنكليزيّ، إيطاليانيّ وطليانيّ ثمّ إيطاليّ، بلج (بلجيكي)، باريسيّ وبريسيّ وباريزيّ، بروسيانيّ والبروس، بورتوكيزيّ وبورتوقيزيّ (برتغاليّ)، تاتاريّ، جرمانيّ، ساردينيّ، السركس والشركس والشراكسة، عجميّ وفارسيّ (إيرانيّ)، فرنساويّ والفرنسيس، المسكوب (الموسكوب)، مكسيكانيّ (مكسيكيّ)، هولاندازيّ (هولانديّ)".
ثالثًا: لغة الصِّحافة: ارتقاء فانكفاء
رأينا أنّ بدايات الصحافة العربيّة، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، جاءت متعثّرة في صدورها، متعثّرة في موادّها وموضوعاتها، متعثّرة في لغتها، متعثّرة في إنشائها وأساليبها. ثمّ رأينا أيضًأ أنّ بدايات الترجمة والتعريب على صفحات الصحف جاءت متعثّرة هي الأخرى، فتخبّط المُترجِمون في ترجماتهم تخبّط من يتعلّم السباحة في بركة ماء لا يعلو ماؤها أكثر من شِبر أو اثنين. وقد أربكت هؤلاء محاولاتُ النقل الحرفيّ، فضاعوا بين بنية الجملة العربيّة وبنية الجملة الأجنبيّة أو الغربيّة، كما أربكهم تعريبُ المصطلحات والأعلام، فضاعوا في متاهاته. ومع ذلك، كان لا بدّ من نقلة.
أجل، كان لا بدّ من نقلة. والنقلة هذه قد تبدو في نظر بعضنا بطيئة، وقد تبدو في نظر بعضنا الآخر حثيثة إلى حدّ ما. لكنْ، لم يمضِ ثلاثة عقود، أو أكثر قليلاً، حتّى استقامت لغة الصحافة وصَلُب عودها أو كاد. فكيف كانت النقلة؟ وكيف تطوّرت اللغة وأساليب الإنشاء (التحرير) الصحافيّ؟
كان لا بدّ للنهوض اللغويّ من مقدّمات أو عوامل ممهّدة. وقد كان لنا مقدّمات أولى في عوامل النهضة الشرقية بعامّة، ومقدّمات ثانية كان لها أثرها الأسرع في نشأة الصحافة وإصدار الصحف. وقد تبدّت في نشر المعلّم بطرس البستاني "أعمال الجمعيّة السورية" سنة 1852، وفي كتابات الشيخ ناصيف اليازجي، وفي مقدّمها "مجمع البحرَيْن" الذي طُبِع سنة 1856، وفي كتابات أحمد فارس الشدياق، وأهمّها "الساق على الساق في ما هو الفارياق" الذي طُبِع في باريس سنة 1855. كما تبدّت هذه الحركة المباركة في كتابات رَفاعة الطهطاوي بعد عودته من باريس ونشره كتابه المشهور "تخليص الإبريز في تاريخ باريز" أو "خلاصة الإبريز والديوان النفيس". وتبدّت أيضًا في عودة محمود سامي البارودي بالشعر إلى الأصالة القديمة وقوّة الأسر. ولن ننسى أخيرًا دور جمال الدين الأفغانيّ، ومُريدوه كُثُر، في النهوض بالإسلام والمسلمين.
ولسنا ننكر بدايةً على الصحف الأولى أنّها كافحت في سبيل لغة أفضل. فهذه "حديقة الأخبار" التي أصدرها، سنة 1858، فتى ناشئ وأديب شاعر هو خليل الخوري (ولد سنة 1836). وهذه صحيفة "برجيس باريس" التي صدرت سنة 1859، ورَأَسَ تحريرها رُشَيد الدحداح، وهو يومَئذٍ أديب معروف، وكاتب اكتملت عدّة قلمه، وأمسك إلى حدٍّ ما بناصية اللغة. ودليلنا على ذلك ما كان بينه وبين خليل الخوري، ثمّ بينه وبين أحمد فارس الشدياق من مناظرات بعضها لغويّ. وتلك "الجوائب" في الآستانة، وعلى رأسها الشدياق الذي كان يصول ويجول، والذي دخل في مناظرات لغوية مع رُشَيد الدحداح وإبراهيم اليازجي.
بيد أنّ النقلة الأهمّ، في النهوض بلغة الصحافة، كانت في صدور مجلّة "الجنان" في بيروت سنة 1870 لمنشئها ومحرّرها الأوّل سليم البستاني (نجل المعلّم بطرس البستاني). وقد ثبت لنا دور هذه المجلّة في عمليّة الإحياء والنهوض اللغويّ. ثمّ كانت النقلة التالية مع صدور مجلّة "المقتطّف" في بيروت سنة 1876 (انتقلت إلى القاهرة سنة 1884). ومع أنّ هذه كانت مجلّة علمية الطابع، ارتقى بها مؤسِّساها (يعقوب صرّوف وفارس نمر)، فأسهمت في عملية الإحياء اللغويّ، وكان لها فضل كبير في عملية الترجمة وفي تعريب المصطلح العلميّ. وتلتها مجلّة "الهلال" التي أصدرها جرجي زيدان في القاهرة سنة 1892، وكانت مرتعًا لأقلام عدد من كتّاب العصر من مصريّين ولبنانيّين. وتُوِّجت هذه الحركة المباركة، في أواخر القرن، بصدور مجلّة "الضياء"، سنة 1898، لصاحبها الشيخ إبراهيم اليازجي. وهي مجلّة لغويّة متخصّصة على رأسها لغويّ مقتدر لم يفته يومئذ أن يتتبّع لغة الصحف، ويضع فيها كتابًا حمل عنوان "لغة الجرائد".
وهكذا استطعنا أن نلاحظ أنّ الصحافة العربية أخذت تكافح، منذ نشأتها، في سبيل النهوض والارتقاء بلغتها وبأساليبها الكتابية. ولمّا كان الصحافيون الأوائل أو الروّاد من أهل الأدب، كان على هؤلاء ومَن يعاونهم أن يتحرّروا في كتاباتهم من اللفظ العامّيّ، ومن اللفظ الغربيّ الدخيل، ومن أثر التركية في لغة الضاد وهو كثير. وهذا يعني أن يتحرّروا من كلّ ما خالف الفصاحة العربية والبلاغة العربية. لذا جاز لنا أن ننعت جيل الصحافيّين الروّاد بأنّه الجيل المكافح.
نحن، إذًا، أمام تطوّر فكريّ وثقافيّ ولغويّ أصابته صحافتنا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. وكما كان الفضل فيه لعوامل نهضويّة عامّة كالمطبعة والمدرسة الحديثة والجمعيّة والإرساليّة الأجنبيّة وغيرها، كان الفضل أيضًا لعدد من الصحف والمجلاّت، ولأقلام عدد من الصحافيّين والكتّاب والأدباء. وروّاد الصحافة، أو كتّاب الرعيل الأوّل، هم مَن قامت الصحافة على كواهلهم، ومَن كان لهم فضل كبير في عمليّة الإحياء الفكريّ والنهوض اللغويّ. وهؤلاء هم مَن دعوناهم الصحافيّين الروّاد أو روّاد الصحافة، ومَن ينطبق عليهم القول إنّهم الصحافيّون الأدباء أو الأدباء الصحافيّون. وصحافيّو هذا الرعيل قلائل، نذكر منهم الروّاد المؤسِّسين حتى سنة 1870، وهم: رزق الله حسّون (الحلبيّ)، خليل الخوري، رُشَيد الدحداح، أحمد فارس الشدياق، بطرس البستاني، يوسف الشلفون، سليم البستاني، لويس صابونجي، عبد الله أبو السعود، إبراهيم المُوَيلحي، محمّد عثمان جلال ...
وجاء الانقلاب العثمانيّ، سنة 1908، ليُطيح الحكم الاستبداديّ، وليُعلن الثورة على المفاهيم العثمانيّة القديمة. وجاء كذلك بما يشبه الانتفاضة في الصحافة العربيّة، فاستعادت حرّيّتها، وثارت على الكثير من قديمها. وقد كثر عدد الصحف في العهد الدستوريّ العثمانيّ، وحمي وطيس المنافسة بينها. كما أصدر بعض الأدباء والشعراء صحفًا سياسيّة يوميّة أو أسبوعيّة. ويأتي في طليعة هؤلاء بشارة الخوري (الأخطل الصغير) الذي أصدر جريدة "البرق" في بيروت سنة 1908، وشبلي ملاّط الذي أصدر جريدة "الوطن" في بيروت في السنة نفسها، وجرجي شاهين عطيّة الذي أصدر جريدة "المراقب" في بيروت في السنة نفسها، ومحمّد كرد علي الذي أصدر جريدة "المقتبس" في دمشق في السنة نفسها. وليس هذا كلّ شيء، فثمّة آخرون كُثُر.
ولدى مراجعتنا في ما مضى، وطوال عشرين عامًا، مئات العناوين الصحفيّة (نعني بها أسماء الصحف)، وعشرات آلاف الأعداد من الصحف، ومئات آلاف الصفحات، كنّا نرقب لغة الصحافة وتطوّرها، وبخاصّة لغة المقالة الافتتاحيّة. وقد لمسنا أنّ أرقى أساليب الكتابة الصحفيّة بدأ يظهر في العهد الدستوريّ العثمانيّ. وهذه حقبة رصدنا فيها عددًا من الأقلام التي أتقنت كتابة الافتتاحيّة احترافًا ولغة. لكنّ خير ما بلغته الكتابة الصحفيّة، في العراق وبلاد الشام، كان في عهد الانتداب وبدايات الاستقلال. وهكذا يكون الخطّ البيانيّ للغة الصحافة العربيّة خطًّا تصاعديًّا حتى منتصف القرن العشرين، أو بعد ذلك بقليل؛ وهو خطّ تنازليّ في النصف الثاني من القرن العشرين، وبخاصّة بعد سنة 1960، وليس من السهل تعليل ذلك في أسطر؛ لكنّنا نرى أمامنا مجموعة عوامل أدّى كلّ منها دوره في انزلاق لغة الصحافة، حتى بلغت دركًا أسفل في نهاية القرن العشرين. فثمّة انقلابات قام بها عسكريّون وحزبيّون "عقائديّون" في عدد من الدول العربيّة، فأسقطت النظُم الحاكمة، وأزالت الديمقراطيّات التقليديّة، وغدت الصحافة موجّهة والأقلام مقيّدة. وهكذا بقيت الصولة الحقّة في الصحافة العربيّة لصحافة لبنان أوّلاً وصحافة الكويت ثانيًا. وجاءت أحداث لبنان (أو الحرب الأهليّة) سنة 1975، ومحنة الكويت سنة 1990، فتركت كلّ منهما أثرها السلبيّ في حرّيّة الصحافة. يبقى أن نأخذ في الحسبان تدنيّ المستوى اللغويّ في العالم العربيّ بشكل عامّ، وخصوصًا المستوى اللغويّ في التربية جيلاً بعد جيل، وما كان للتقنيّات الحديثة ولثورة المعلومات أو "الثورة الرقميّة" من أثر سلبيّ في اللغة. فالعصر بات عصر سرعة وكلّنا يلهث.
بين الصحافة والأدب
قد يكون الحديث عمّا بين الصحافة والأدب جزءًا من الحديث عن لغة الصحافة أو متمِّمًا له. فثمّة إجماع على أنّ الصحافة العربيّة نشأت في كنف الأدب، أو بدأت كاهنة في محراب الأدب تستمدّ منه وجودها وبقاءها. وقد سادت مقولة أنّ الصحافة مهنة والأدب فنّ، وأنّ ثمّة فرقًا بين المهنة والفنّ هو كالفرق بين الصحافيّ والأديب. فالأوّل محترِف يبيع تعب يومه بأجر، والثاني مُبدِع يعمل من غير أن ينتظر أجرًا أو مكافأة. وقد تعوّد بعض كتّاب القرن العشرين أن يخلط بين الاثنين خلطًا مُربِكًا أحدث الكثير من الخلل في حياتنا الأدبيّة، وكان عاملاً من عوامل الأزمة التي يعيشها الأدب العربيّ المعاصر. ومن العوامل التي أدّت إلى هذا أنّ الصحافة العربيّة بدأت حياتها على كواهل الأدباء والشعراء، فوضع هؤلاء فيها مفاهيمهم أو فهمهم لرسالة القلم، كما وضعوا فيها أسماءهم ضمانًا لتحقيق هذه الرسالة. وما زال الانفصال بين الأديب والصحافيّ، وبين الأدب والصحافة، فظلّ الأوّل فنًّا، وتحوّلت الثانية إلى مهنة بحتة. ومنذ ذلك الحين، بدا واضحًا أنّ الأسلوب الصحفيّ شيء آخر غير الأدب، وأنّ لغة الصحافة غير لغة الأدب تمامًا. لذا عرّف بعضهم الصحافة بأنّها من الأدب السهل، وأنّ لغة الصحافة هي لغة الأدب اليوميّ أو الأدب السهل.
ومن علامات احتراف الصحافة، انزلاق الفنون الأدبيّة، على صفحات الصحف، من حيّز أكبر إلى حيّز أصغر، ومن موقع أساسيّ إلى موقع ثانويّ، ومن صفحات إلى صفحة واحدة خُصّ بها الأدب والفنّ، وهكذا إلى أن اختفت تمامًا من بعض الصحف. وكذا قُلْ في قصيدة الشعر التي كان مكانها الرئيسيّ في الصفحة الأولى، ثمّ انزلقت تدريجًا إلى الصفحة الأخيرة، ومن هذه إلى سلّة المهملات أخيرًا. وقد حاول بعض الشعراء أن يتغلّب على هذه العقبة، فقدّم محاولاتٍ شعريّةً قرُبت في قوالبها اللفظيّة من لغة الصحافة نفسها، وقرُبت في موسيقاها من موسيقى النثر المتداوَل، فلم تصمد. وحاولت القصّة، هي الأخرى، أن تصمد في المعركة، ولكنْ من دون جدوى، لأنّ الذوق الصحافيّ يقبل القصّة التي هي حكاية مُثيرة ومُسَلّية، وليست عملاً فنّيًّا جليلاً. وحين عجز كتّاب القصّة عن تقديم ما يريده أصحاب الفهم الصحفيّ للأمور، تولّى الصحافيّون بأنفسهم أمر القصّة، فكان ظهور القصّة الصحفيّة. لذا نستطيع القول أخيرًا إنّ أدب الصحافة ألحق بقضيّة الأدب نفسه ضررًا كبيرًا ليس من السهل أن يُزال.
الصفحة الثقافيّة
لم تكن لغة الصفحة الثقافيّة، أو صفحة الأدب، في عهد الصحافة الأوّل أفضل حالاً من لغة الصفحات الأخرى إلاّ في ما ندر. فلغة المادّة الأدبيّة سقيمة ركيكة غالبًا؛ بيد أنّ الكتّاب راحوا، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يرتقون بإنشائهم وأساليبهم، ويميّزون تمييزًا تامًّا بين المادّة الأدبيّة والمادّة الإخباريّة السياسيّة، حتى بتنا نقرأ، في بعض الصحف، أدبًا مكتوبًا بلغة راقية، وقد كان للصحافيّين الأدباء دور بارز في الارتقاء بلغة صحفهم. ولمّا كنّا قد ذكرنا بعضهم من قبلُ، نذكر منهم في النصف الأوّل من القرن العشرين: بطرس سليمان البستاني، جرجي نقولا باز، عيسى إسكندر المعلوف، وديع عقل، مارون عبّود، رئيف حوري، إيليّا أبو ماضي، أمين آل ناصر الدين، محمّد رشيد رضا، أنطون الجميّل، جرجي ينّي، يوسف السودا، فؤاد حبيش، سابا زريق، كرم ملحم كرم، يوسف إبراهيم يزبك، حسين هيكل، أحمد لطفي السيّد، إبراهيم عبد القادر المازني، عبّاس محمود العقّاد، أحمد حسن الزيّات، سلامة موسى. وثمّة آخرون وآخرون. يبقى أن نقول أخيرًا إنّ الصفحة الأدبيّة أو الثقافيّة هذه تبقى نتاج كاتبها أو محرّرها، فهي تختلف من شخص إلى آخر، وهي رهن بإمكانات محرّرها أو المسؤول عنها.
مدارس الصِّحافيّين العرب
جهدنا في تصنيف معظم الصحافيّين العرب في مدارس كتابيّة وأسلوبيّة، وعُنينا أكثر فأكثر بكتّاب الافتتاحيّة. فأهملنا هنا ذكر الأدباء الروّاد أو المؤسّسين (أتينا على ذكر بعضهم من قبل)، وذكرنا صحافييّ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين، أي حتّى سنة 1908، فكانت هذه المدرسة الأولى. ثم أخذنا كتّاب الافتتاحيّة طوال نصف قرن، أي من سنة 1908 إلى نهاية الخمسينيّات (تأميم الصحافة في مصر) أو بداية الستّينيّات (تقييد الصحافة في سورية والعراق)، وجعلناهم في مدرسة ثانية. أمّا المدرسة الثالثة فتمتدّ زمنيًّا حتى أواخر القرن العشرين، وتقتصر الأسماء فيها على نخبة مختارة من كتّاب الافتتاحيّة السياسيّة فقط.
1- المدرسة الأولى: صحافيّون وأدباء، ونذكر منهم: إبراهيم المويلحي، أحمد فارس الشدياق، أديب إسحق، إبراهيم الأحدب، إبراهيم الحوراني، إسكندر العازار، أمين الحدّاد، إبراهيم اليازجي، جرجي زيدان، خليل الخوري، خليل البدوي، خليل سركيس، خليل غانم، سليم البستاني، سليم تقلا، سليم حموي، سليم النقّاش، شاهين مكاريوس، عبد الباسط الأنسي، عبد القادر قبّاني، عبد الرحمن الكواكبي، عبد الله أبو السعود، عبد الله النديم، علي يوسف، فارس نمر، لويس صابونجي، محمّد رشيد الدَّنا، محمّد عبده، نجيب الحدّاد، نقولا نقّاش، يوسف الأسير، يعقوب صرّوف، يوسف الشلفون، بشارة تقلا، سليم سركيس ... إلخ. ففي هذه المدرسة يصعب عليك تمييز الصحافيّ من الأديب، وقد يجتمع لك الاثنان في شخص واحد.
2- المدرسة الثانية: صحافيّون بعضهم أدباء، ونذكر منهم: إبراهيم عبد القادر المازني، أحمد حسن الزيّات، أحمد عسّه، أحمد لطفي السيّد، أحمد عبّاس الأزهري، أحمد حافظ عوض، أحمد عارف الزين، أحمد حسن طبّارة، أديب الصفدي، أمين آل ناصر الدين، أمين سعيد، أنطون الجميّل، بشير العوف، بطرس سليمان البستاني، جبران تويني، جرجي شاهين عطيّة، جرجي نقولا باز، جرجي ينّي، حكمت شريف، جرجس زوين، حسين هيكل، خليل تابت، خليل زينيّة، رامز خليل سركيس،حسين الحبّال، داود بركات، رفيق العظم، رئيف خوري، روبير أبيلاّ، رزّوق غنّام، داود مجاعص، سلامة موسى، شبلي ملاّط، شكري بخّاش، روفائيل بطّي، سامي السرّاج، سليم عنحوري، شكري العسلي، طاهر الطناحي، طه المدوّر، عادل كرد علي، عبّاس محمود العقّاد،عبد الحميد الزهراوي، عبد العزيز جاويش، عبد القادر حمزة، عزّة حصريّة، عفيف الطيبي، عبد الغني العُرَيسي، عيسى إسكندر المعلوف، فؤاد حبيش، فرح أنطون، فريد الخازن، فيليب الخازن، فكري أباظة، كامل الشنّاوي، كامل مروّة، كرم البستاني، كرم ملحم كرم، لبيبة هاشم، مارون عبّود، محمّد الباقر، محمّد توفيق جانا، محمّد رشيد رضا، محبّ الدين الخطيب، محمّد كرد علي، محمود عزمي، محيي الدين النصولي، ميشال أبو شهلا، ميشال زكّور، منير الريِّس، نجيب الريِّس، نجيب ليان، نجيب نصّار، نصوح بابيل، نعّوم لبكي، نعّوم مكرزل، وديع صيداوي، وديع عقل، يوسف الخازن، يوسف السودا، يوسف المعلوف، يوسف العيسى، أحمد الصاوي محمّد ... إلخ. فبعض هؤلاء حرَّر الصحافة أو كتب المقالة بلغة الأدب، وبعضهم كان صحافيًّا محترفًا.
3- المدرسة الثالثة: صحافيّون محترفون وكتّاب افتتاحيّة بامتياز تامّ، ونذكر منهم: كامل مروّة (حتى سنة 1966)، علي أمين، مصطفى أمين، سعيد فريحة، رياض طه، يوسف السباعي، إحسان عبد القدّوس، لطفي الخولي، رشدي المعلوف، ميشال أبو جودة، غسّان تويني، محمّد حَسَنين هيكل، أحمد بهاء الدين، طلال سلمان، رفيق خوري، أحمد الجار الله ...
رابعًا: الصحافة المعاصرة: لغة تزحَل
أشرنا في القسم الثالث من هذا البحث إلى أنّ لغة الصحافة العربيّة بدأت تتقهقر وتنزلق في منحدَر شديد، مع بداية العقد السابع من القرن الماضي، وعلّلنا، إذ ذاك، بعضًا من أسباب الانحدار. ففي الدور الأخير من أدوار الصحافة العربيّة، وبخاصّة في الثلث الأخير من القرن، أسفَّتِ الكتابة الصحفيّة، وشاعت الأساليب الهجينة، وسيطرت الجملة الأجنبيّة على الجملة العربيّة. وفي هذا الدور، اختفى الصحافيّون الأدباء، وندر الصحافيّون المتأدِّبون، ولم يبقَ في الساح غير الصحافيّ الآتي من غير طريق الأدب، ومن سيكون في المستقبل، الصحافيّ المحترف. فصحافيّو القرن التاسع عشر أدباء ولغويّون، ولبعضهم معاجم وكتب في الصرف والنحو ودواوين شعر. وصحافيّو النصف الأوّل من القرن العشرين صحافيّون وأدباء أو صحافيّون متأدّبون جاؤوا الصحافة من طريق الأدب، وكتبوا في الصحافة بأسلوب أهل الأدب. أمّا صحافيّو النصف الثاني من القرن العشرين فصحافيّون فقط، وصحافيّون بعضهم محترف، وبعضهم طارئ على المهنة أو ضيف عليها.
ويوم كانت الصحافة العربية تحاول الارتقاء بلغتها، وضع إبراهيم اليازجي كتابه المعروف "لغة الجرائد" (طُبِع في القاهرة سنة 1902)، وغرضه منه تقويم اعوجاج الأقلام على صفحات الصحف العربيّة، وربّما يكون قد بلغ بعضًا من ذلك. وها نحن، وقد بلغ إعلامنا العربيّ ما بلغه من ضعف، نحاول، في بحثنا هذا، أن ندلّ دلالة عمليّة إلى مواطن الخلل ومواقع الخطأ في لغة هذا الإعلام. فعسى أن نبلغ بعض ما بلغه شيخنا اليازجيّ، وأن نترك الأثر الذي ترك في لغة الإعلام بعامّة ولغة الصحافة بخاصّة.
وقد بات واضحًا لنا أنّ الصحافيّ العربيّ لم يأتِ الصحافة مسلَّحًا بسيف اللغة ودرعها، أي بعدّة لغويّة سليمة وقلم صوّال جوّال. فبعض الصحافيّين جاء من كلّيّات الآداب، وبعضهم الآخر جاء من أقسام الصحافة، أو معاهد الإعلام التي أُنشِئت في الثلث الأخير من القرن العشرين. بيد أنّ لقب الصحافيّ ليس وقفًا على المتخرّج وحده، فكثير من الصحافيّين العرب لا يحمل أكثر من الشهادة الثانويّة العامّة. فالعدّة إذًا هزيلة، والسلاح صَدِئ، والقلم مُعوَجّ، واللسان شبه عجميّ.
وفي عصر السرعة هذا، عصر الحاسوب والوجبات الجاهزة، ما عدت ترى صحافيًّا يقرأ في كتب اللغة وكتب التراث ليقوّم ما اعوجّ من لسانه. بل ما عدت ترى صحافيًّا يقرأ كتب الأخبار والتاريخ السياسيّ كي يُغني خزّان معلوماته، أو يقرأ بحوثًا ودراسات في علم السياسة كي تكون له قدرة على تحليل الحدث. وهكذا أصبح بعض الصحافيّين كبِركة ماء في أسفلها صنبور للتفريغ، وليس في أعلاها صنبور لتلقّي الماء العذب. فهذا مشغول بكذا، وذاك منصرف عنك إلى كذا، وما من أحد عنده وقت للقراءة. فنرجو، حين يُنشَر هذا البحث غدًا، أن يجد (أي البحث) صحافيًّا عربيًّا يقرأه ويقول فيه كلمة مدح أو ذمّ.
قلنا في القسم السابق إنّ الصحافة العربيّة فقدت حرّيّتها في عدد من الدول العربيّة، بُعَيد سنة 1960، وباتت صحافة "مقيّدة" أو "موجّهة" أو "قوميّة" أو "اشتراكيّة"، أو في "خدمة المعركة". فقد أُفرِغت الصحافة، في مصر وسورية والعراق وليبيا والجزائر واليمن والسودان وغيره، من مضامينها الكبرى. أضف إلى ذلك أنّ الصحافة، في أقطار عربيّة أخرى، كانت مقيّدة بفعل عوامل غير التي ذكرنا. وهكذا أصبح الصحافيّ موظّفًا لدى السلطة الحاكمة، وليس موظّفًا في الدولة، لدى هذه المؤسّسة أو تلك، وبات كثير من الصحف العربيّة يُحرَّر بالأمر المباشر أو بالإيحاء. فثمّة سيف آخر غير سيف الرقابة هو "سيف الرغيف".
أمّا المعنيّون أو المهتمّون بالأدب الذين عملوا في الصحافة، وأشرف بعضهم على صفحتها الثقافيّة، فلم يكونوا جميعًا من الأدباء أو أهل الأدب، بل هم في معظمهم صحافيّون. وقد تابعنا زمنًا طويلاً، ومنذ مطلع الثمانينيّات، أقلام بعض المتأدّبين، وهم بعدُ فتية ناشئون، فرأينا ما ألحق هؤلاء ومن احتضنهم بالعربيّة من أذًى، وغالبًا ما كان هذا باسم الحداثة. وراقبنا بعض المتأدّبين الذين يعملون في تحرير مُلحَقات تصدر عن كبريات الصحف، فرأينا هؤلاء يكتبون المقالة الفكريّة أو الأدبيّة (النقديّة غالبًا) بأسلوب الصحافيّ ولغة الصحافيّ. بل رأينا معظمهم يكتب تلك المقالة بتسرّع واندفاع لا يقلاّن عمّا نلمس من تسرّع واندفاع في تحرير الخبر الذي يرد الصحيفة بُعَيد منتصف الليل. ولنا في بعض الصحف تلامذة كانوا أمسِ القريب على مقعد الدراسة في الجامعة لا يُحسنون القراءة والكتابة، فإذا هم، بين عشيّة وضحاها، شعراء ينظمون الشعر، وأدباء يكتبون الأدب، ونقّاد يمارسون النقد بارتياح، فيراجعون الكتب، ويقوّمون أدب الأطفال، أو الأدب العربيّ، أو الآداب العالميّة في عام ("النهار" مثلاً في الأسبوع الأخير من السنة). وسبب ذلك أن لا حدود عندنا بين اختصاص وآخر، أو بين فنّ وآخر؛ ومن السهل أن يلتبس المعنى عندنا بين "الفكر والسلعة"، كما يقع اللبس في اللفظ بين "عبّاس ودبّاس". وقد رأينا معظم هؤلاء يعبّر بألفاظ لا تحتمل أيّ معنى في جملتها، ويشتقّ ممّا لا يُشتَقّ منه، وينحت ممّا لا يقبل النحت، ويجمع ما لا يقبل الجمع، ويصرف ما لا ينصرف. ومع ذلك كلّه، على اللغويّ أن يلهث وراء هذا المتادّب، ويلتقط ما تيسَّر من دُرَر اللّسان.
وإذا ما أخذت بين يديك، ذات صباح، واحدة من كبريات الصحف العربيّة المعاصرة، ودرست لغتها وتراكيبها، فأنت واقع حتمًا، في صفحتها الواحدة، على ما لا يقلّ عن عشرين سقطة لغويّة. وقد طبّقنا هذا الاختبار على عدد من صحف بيروت، وليس غيرها بأحسن حالاً. ونحن نقول هذا في صحيفة لها من يقرأ موادّها قبل أن "تُصَفّ"، ولها من يراجع هذه الموادّ في ما يُسمّى تصحيح الليل أو التصحيح الأخير. فإن كان الأمر هكذا مع التصحيح، فماذا يكون القول في ما لم يُقرَأ ولم يُصحَّح مرّة أولى وثانية؟ نقول هذا ونحن نشهد لبعض مصحّحي الصحف بالفقر اللغويّ، وهم غالبًا من مدرّسي اللغة العربيّة في المدارس؛ وقد تواضع بعضهم، على فصاحة لسانه وبلاغة بيانه، فمارس علينا دور الرقيب اللغويّ، و"صحَّحَ" لنا غير مرّة.
مَن يتأمّلْ مليًّا في صفحات صحيفة عربيّة معاصرة يكتشف أنّ اللفظ بات حروفًا مصفوفة لا معنى لها، وأنّ صفة العاقل باتت تُطلَق على غير العاقل بشكل عفويّ، وأنّ ما يوصَف به الشجاع يمكن أن يوصَف به الجبان أو العكس، وما يوصَف به الكريم يمكن أن يوصَف به البخيل أو العكس، وما يوصَف به الحيّ يمكن أن يوصَف به الميت أو العكس، وهكذا دواليك. ومصداق ما سلف في كلمتَيِ "الشهيد والشهادة أو الاستشهاد" اللّتين أفرغناهما من أي معنى، وفي الخلط المزعج المربك بين "الشهيد والضحيّة"، كأن يُقال في شهداء سورية ولبنان، سنة 1916، إنّهم شهداء جمال باشا السفّاح، وهم شهداء قضيّة (الحرّيّة والاستقلال) وضحايا ظلم جمال باشا، ولنا مقالة في ذلك. والبرهان الحسِّيّ والأقرب هو أنّ معظم الصحافيّين العرب يخلط بين "الصِّحافيّ (هو الصُّحُفيّ في الإعلام المَرئيّ والمسموع) والصَّحَفيّ". والبون بين الكلمتين شاسع، فالأولى منسوبة إلى "الصحافة"، وتُطلَق على صاحب الصحيفة ومن يعمل فيها، وهي غالبًا للعاقل؛ والثانية منسوبة إلى "الصحيفة"، وتُطلَق على كلّ ما يتعلّق بهذه، وهي دائمًا لغير العاقل. فنقابتكم، أيّها السادة، هي إذًا "نقابة الصِّحافيّين" لا "نقابة الصَّحفيّين". ولِمَن لم يقتنعْ وطلب برهانًا أقوى، نقول إنّ خير البراهين كان في ثرثرة بعض المحلّلين السياسيّين (هكذا يُدعَوْن ويَدَّعون) على شاشات التلفزة إبّان حرب إسرائيل على لبنان في تمّوز 2006. فمعظم ما سمعنا جمل طنّانة رنّانة، وعبارات جوفاء، وكلام مجترّ لا معنى له ولا قيمة. لذا جاز لنا أخيرًا أن نقول إنّ السطحيّة والغلوّ العربيّين أدّيا إلى إفراغ اللفظ العربيّ من معناه، والجملة العربية من مضمونها. فقد مات اللفظ العربيّ الأصيل، والتركيب العربيّ السليم، والجملة العربية البليغة، في الصحافة العربية المعاصرة. فالوداع الوداع لألفاظ العربيّة، وتراكيب العربيّة، وصيغ العربيّة الجميلة! أمّا وقد قلنا ما قلنا، فالقول هذا لا يعني أنْ ليس في الصحراء واحة، فلتبحث كلّ قبيلة أو قافلة عن واحتها.
تقويم الأداء
ليس من السهل أن نُحصيَ ما في الصحافة العربية من غلط في اللغة، وخلل في التركيب، وخروج عن المألوف من لغة العرب. بيد أنّنا نتوقّف هنا أمام ما شاع على الألسنة بسبب الضعف اللغويّ وتفشّي العُجمة، وبفعل النقل والترجمة، فضلاً عمّا اختصّت به صحف معروفة من دون سواها. وما نعرض هنا ليس إلاّ نماذج لحالات كثيرة ومتنوّعة أحصيناها في مكان آخر، فزاد عددها على مئة مسألة لغويّة. أمّا الغلط في الإعلام المرئيّ والمسموع، فلنا عودة إليه في مبحث آخَرَ يُنجَز في حينه. فما أبرز مآخذنا على لغة الصحافة المعاصرة؟
1- أوّل ما يستوقفنا، في لغة الصحافة المعاصرة، ما تقع عليه عين القارئ في عناوين الصحيفة الكبرى من البدء بالقول قبل ذكر قائله، وهذا كثير على صفحات الصحف.
2- وثاني ما يستوقفنا، في لغة الصحافة المعاصرة، هو تأثّر كتّابنا بأساليب الكتابة الغربيّة، إذ تراهم يبدأون بالاسم، أي يقدّمون الاسم على الفعل في الجملة، ويقدّمون الضمير على صاحبه، ومنه قولهم "من جهته فلان يقول كذا ..."، أو "بدوره فلان يرى كذا وكذا ..."، أو "وحدَه المدير كان ينتظر ضيوفه".
3- وثالث ما يستوقفنا، في لغة الصحافة المعاصرة، هو هذا التساهل المريع في أساليب الشرط، وذلك بإهمال جزم فعل الشرط وجوابه أو أحدهما. ولا يبدو هذا واضحًا في الصحافة إلاّ متى كان فعل الشرط وجوابه أو أحدهما معتلّ العين أو اللاّم، كقولهم "من يدعو (يدعُ) إلى التظاهر يبغي (يبغِ) الإخلال بالسلم الأهليّ"، أو قولهم "من يعودُ (يعُدْ) إلى العمل ينالُ (يَنَلْ) أجره كاملاً".
4- ورابع ما يستوقفنا إهمال بعضهم الفاء الرابطة لجواب "أمّا"، كقولهم "أمّا الوزير يقترح كذا"، وجهل معظمهم لفاء الجزاء وشروط استعمالها، كقولهم "إن اجتهدتَ النجاح حليفك، وإن أردتَ النجاحَ اجتهدْ، وإن أردتَ الحضور لا تتأخَّرْ، وإن وصلتَ متأخرًا لن تجدَ مقعدًا".
5- وخامس ما يستوقفنا استعمال ضمير العاقل لغير العاقل، وإسناد علامة جمع الذكور العقلاء إلى ما ليس بعاقل، ومنه قولهم "إنّ الذئاب افترسوا (أو يفترسون) النعاج، وإنّ الأسود عادوا (أو يعودون) إلى أجمتهم"، و"ترك الراحل عشرين كتابًا منهم سبعة كتب في التاريخ".
6- وسادس ما يستوقفنا استعمال بعضهم للتركيب "ما إذا"، كقولهم "لم أعرفْ ما إذا كان يريد هذا، وسألته عمّا إذا كان يريد كذا". وهذا ما لا تستطيع إعرابه لأنّه ليس من لغة العرب.
7- وسابع ما يستوقفنا تقديم كلٍّ من "كافّة" و"شتّى"، أي إضافتها إلى اسم يليها، مع أنّ تأخيرهما واجب، فالأولى منصوبة على الحاليّة، والثانية نعت لما قبلها.
8- وثامن ما يستوقفنا جمع بعض المفردات جمعًا غير فصيح، كجمعهم "مُدير" على "مُدَراء"، و"نِيَّة" على "نَوايا"، و"زَبون" على "زَبائن"، و"مَحَلّ" على "مَحَلاّت"، و"مَقَرّ" على "مَقَرّات"، و"فريق" على "أَفرِقاء".
9- وتاسع ما يستوقفنا الانتقال، في معظم الصحف، بكثير من الأفعال التي تتعدّى مباشرة إلى مفعولين، إلى التعدية بالحرف في المفعول الثاني، ومنها: "أعطى، ألبَسَ، حرَمَ، حمَّلَ، علَّمَ، عوَّدَ، كَسا، كلَّفَ، منَحَ ..."، والانتقال بأفعال أخرى، من التعدية المباشَرة إلى مفعول واحد، إلى التعدية بالحرف، ومنها: "أطاحَ، اعتادَ، أكّدَ، أمكَنَ، تعوَّدَ، حازَ، دخَلَ (إلى)، شَكا، عانى، مَسَّ ...". وثمّة أفعال انتقل بها الصِّحافيّون من التعدّي بالحرف إلى التعدية المباشَرة، ومنها: "شارَكَ، وافَقَ ..."، وأفعال أخرى تتعدّى بالحرف، فاستبدل هؤلاء بحرف تعديتها حرفًا آخر.
10- وعاشر ما يستوقفنا، في الصحافة المعاصرة، استعمالات أخرى شاعت على ألسنة الكتّاب والصحافيّين، ومنها استعمال "ممّا" في قولهم "قبضت مبلغ كذا ممّا يسمح لي بشراء كذا". وقبل سنين عدّلت صحيفة "النّهار" البيروتيّة الصيغة، فاستعملت "ما" بدل "ممّا"، وصارت العبارة "قبضت ... ما يسمح لي ...". وكلا الاستعمالَيْن ليس بفصيح. ومنها استعمالهم الفعل "أَمَّنَ تَأمينًا" بمعنى "وَفَّرَ توفيرًا"، ولهذا الفعل معنًى آخر (أمَّنَه: أعطاه الأمان). ومنها إكثارهم من تعدية المصدر "الزيارة" بالحرف "إلى"، والفعل "زارَ" يتعدّى ومصدرَه تعديةً مباشَرةً (زار القومَ أو المكانَ). ومنها جمعهم بين حرف الاستفهام "هل" والمضارع المصدَّر بالسين في قولهم "هل سيصلُ الرئيس؟". ومنها إدخالهم الباء، بعد "أبدَلَ وبدَّلَ واستبدَلَ"، على المأخوذ بدل المتروك. ومنها إكثارهم من استعمال الفعل "قامَ" الذي عومِلَ معاملة الفعل المساعد، فبات بمنزلة الفعل "Aller" بالفرنسيّة، كقولهم "قامَ بالدعوة إلى كذا، وقامَ بزيارة فلان، وقامَ بتأسيس شركة، وقامَ بنزهة في كذا، وقامَ بارتداء ملابسه ... إلخ".
11- وآخر ما يستوقفنا هنا ما اختصّت به جريدة "النهار" من ألفاظ أو صيخ تعبيريّة. فهي قد أصابت في تعدية الفعل "أمكن" تعدية مباشرة، وأخطأت في تعدية الفعلَيْن "حوَّلَ وتَحَوَّلَ" تعديةً مباشَرةً، وهما متعدّيان بالحرف. وقد سلف الكلام على استعمالها كلمة "ما" بدل "مِمّا" أو بمعناها. ورأيناها ترسم "الثلثاء" بدل "الثلاثاء"، و"إبرهيم" بدل "إبراهيم"، و"هرون" بدل "هارون". وها هي، في السنين الأخيرة، ترسم "بيجنغ" بدل "بكين"، وكان عليها العودة إلى معجم الأعلام. وآخر ما لنا على "النهار" إصرارُها، في السنين الأخيرة، على استعمال كلمة "العام" بدل "سنة أو السنة"، ولكلّ منهما معناها وخصوصيّة استعمالها.
خاتمة البحث
هذا بعض ما كان لنا أن نقول في لغة الإعلام العربيّ الحديث والمعاصر، أو في لغة الإعلام العربيّ المكتوب أو المطبوع، منذ نشأته بُعَيد منتصف القرن التاسع عشر بقليل وحتى أواخر القرن العشرين. وهذا يعني أنّ الدراسة هذه تناولت لغة الصحافة في حقبة امتدّت نحوًا من قرن ونصف القرن.
وقد رأينا، في هذه الدراسة، كيف تطوّرت لغة الصحافة، وكيف تطوّرت أساليبها. فقد رأيناها تبدأ فقيرة متعثّرة، فأسلوبها ركيك، وتعريبها فقير قاصر، وحشوها مفردات تركيّة وفارسيّة وإيطاليّة وفرنسية. ذلك أنّ الصحافيّين الأوائل لم يكن لهم من العدّة ما يكفي، فكافحوا وجاهدوا بإمكاناتهم المحدودة، وإرثُهم اللغويّ هو إرث عصر الانحطاط في اللغة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، دخلت لغة الصحافة في طور النهوض والارتقاء، فبدأت الأساليب ترتقي تدريجًا. بيد أنّ النقلة الأهمّ، في لغة الصحافة العربيّة، كانت بعد الحرب العالميّة الأولى، أي مع سقوط الدولة العثمانيّة ونشوء الكيانات العربيّة من ملكيّة وجمهوريّة.
قد يقول لنا الصحافيّ إنّ النصّ الصحفيّ مكتوب كي يقرأَه الناس جميعًا، فهو موجَّه إلى جمهور القرّاء، ولطالما قيلَ في الصحيفة إنّها زاد الصباح. ونحن لسنا في الموقف الضدّ، ولسنا ندعو إلى عكس ذلك؛ بل نحن مع الفصيح السهل الذي لا يُفضي بنا إلى العامّيّة، ولسنا مع صحافة اللهجات أو العامّيّات. فأيُّ ضرر يُصيب القارئ إن أنت رفعتَ ما يجب رفعه، ونصبتَ ما يجب نصبه، وجزمتَ ما يجب جزمه، وجررتَ ما يجب جرّه؟ وأيّ حيف يلحق بالقارئ إن أنت جمعتَ المفرد "مُدير" على "مُديرون ومُديرين" بدلاً من "مُدَراء"، والمفرد "مَحَلّ" على "مَحالّ" بدلاً من "مَحَلاّت"، والمفرد "نِيّة" على "نِيّات" بدلاً من "نوايا"، والمفرد "زَبون" على "زُبُن" بدلاً من "زَبائن"؟ وما الضرر في أن تقول "صِدقيّة" بدلاً من "مِصداقيّة"، و"فاعليّة" بدلاً من "فَعّاليّة"، و"أغلبيّة" بدلاً من "غالبيّة"، وأن تقول "يُوَفّر له كذا"، بدلاً من "يُؤَمِّنُ له كذا" (للفعل "أمَّنَ" معنى آخر)، و"شَكَّ في الأمر" بدلاً من "شَكَّكَ فيه"، و"سَبَّبَ كذا" بدلاً من "تَسَبَّبَ فيه"، و"رَأَسَ الاجتماع" بدلاً من "تَرَأَّسَهُ".
فكّرنا مليًّا في ما نسمع من بعض الأكاديميّين وبعض أهل اللغة، حين يردّدون مقولة "أنّ للعربيّة ربًّا يحميها". ولمّا كنا نسلّم بالقدر، بمعناهُ المطلق، ولا ننكر دوره في حياة الإنسان، لم نكن يومًا لنُسلِّم بمصير اللغة ومستقبل اللغة تسليمًا أعمى، ولم نكن يومًا لنؤمن بالقعود والاستسلام الكلّيّ أو الأعمى للقضاء والقدر. نحن نؤمن بأنّ العربيّة باتت في مُنزَلَق خطر، وبأنّها "لغة تزحل" كما قلنا فيها ذات يوم، وكما جاء في متن هذه الدراسة، ونؤمن بأنّ "العَولَمة" تحاصرها من كلّ جانب، ما يقتضينا أن نردّ عليها بسلاح "العَورَبة"؛ كما نؤمن بأنّ أهل البِدَع من حولها كُثُر، فمن دعاة العامّيّة، إلى الطبيب اللبنانيّ الذي أتانا، قبل سنوات، بقواعدَ لغويّة جديدة، بل قلْ بلغة جديدة وعربيّة جديدة، وحماه بعضهم فخدمه وروَّجَ بضاعته، واحتضنته صحيفة "النهار" البيروتيّة، فنشرت دروسه أو بِدَعَه في خمسين حلقة شغلت خمسين صفحة، واستغرقت خمسين أسبوعًا. ونذكر من أهل البِدَع أيضًا دعاةَ التبسيط والتسهيل والتقريب الذين يدعون إلى "عَصرَنة" اللغة، وهم يجنحون صراحةً، أو بما يشبه الصراحة، إلى إعلام مكتوب باللغة العامّيّة، أو بما هي أقرب إلى العامّيّة. وهذا ما بدأت آثاره تظهر في الصحافة يومًا بعد يومٍ، فقد بتنا نقرأ في الصحف، يوميًّا، لغة هجينة هي، في لفظها وصوغها أو تركيبها وبناء جملتها، أبعد ما تكون عن فُصحى قريش. فأين حُماة العربيّة؟ وأين مَن يُفتَرض فيهم أن يكونوا القدوة؟ أين الشيوخ والأئمّة وحَفَظَة القرآن؟ فكلّما سمعنا واحدًا من هؤلاء يتكلّم بكينا لغة الضاد، وسألنا أو تساءلنا: أين نحن من عربيّة قريش؟ أين لغة السلف الصالح؟ وأين صرف العربيّة ونحوها؟ تُرى، أيكون هذا فعل العَولَمة أو المؤامرة، كما يسمّيها بعضهم، أم هو ثمرة أربعة قرون من حكم الأتراك العثمانيّين، ومن سطوة اللغة التركيّة على لغة الضاد.
ولنا، في ختام هذا البحث، أن نقول إنّنا مقبلون على الخوض في لغة الإعلام المرئيّ والمسموع، وقد كتبنا في هذا الكثير. ووقتَها سيكون البكاء وصريف الأسنان، وسيلمس المستمع والمشاهد العربيّ ثنائيّة بشعة تجمع الجهل الفكريّ إلى الجهل اللغويّ، أو الأمّيّة الثقافيّة إلى الأمّيّة اللغويّة. وربّما عرف القارئ أنّه يرى، أحيانًا، على الشاشة الصغيرة وجوهًا فيها ألسنة خشبيّة. وأنت، إذ تقرأ الإعلاميّ كاتبًا غير أن تسمع الإعلاميّ مذيعًا؛ فالأول قد يحزنك بكلمة من هنا وأخرى من هناك، أمّا الثاني فيحزنك في كلّ آنٍ وفي كلّ ما يقول، ولاسيّما مَن كان مذيعًا في محطّات التلفزة اللبنانيّة. فإن أنتَ أصغيت وأطلت الإصغاء، فسيبعث ذلك في نفسك الشعور بالغثيان، ويرفع ضغط دمك، ويهدّ عزيمتك، ويحطّم أعصابك، ويقرّب أجلك، ويولّد في نفسك اليأس والقنوط. ويوم نكتب في هذا أو ندفع به إلى النشر، سيرى القارئ عجبًا، وسيقرأ ما لا يخطر له يومًا في بال. وبعد أن ننتهي ممّا نكتب وما سنكتب، ستكون لنا كلمة أخيرة، وسنطلق حكمًا جازمًا لا يُنقَض، وسيكون له أثره المدوّي في الأوساط "اللغويّة والإعلاميّة والتربويّة". فإلى ذلك الحين، حَسبُنا أن نقول إنَّ لغة قريش باتت في طور الاحتضار، فإن استمْررنا في غيّنا وضلالنا، فلن يكون "للعربيّة ربٌّ يحميها"، بل قلْ إنّ ساعة المأتم آتية لا ريبَ فيها، والسير في موكب الجنازة قريب.
مصادر البحث (مصادر أساسيّة)
أوّلاً – دوريّات
- "حديقة الأخبار"، بيروت، ۱۸۵۸ – ۱۸٦۸.
- "برجيس ياريس"، باريس، ۱۸۵۹ – ۱۸٦٦.
- "نفير سورية"، بيروت، ۱۸٦۰ – ۱۸٦۱.
- أعداد متفرّقة من مئات الصحف اللبنانيّة والسوريّة.
- جوزيف الياس: لغة الإعلام العربيّ، مجلّة "حوار العرب" (بيروت)، العدد ۲۱، آب ۲۰۰٦، والعدد ۲۲، أيلول ۲۰۰٦، والعدد ۲۳، تشرين الأوّل ۲۰۰٦، والعدد ۲٤، تشرين الثاني ۲۰۰٦.
ثانياً – كتب
- جوزيف الياس: تطوّر الصحافة السوريّة في مئة عام (۱۸٦۵ – ۱۹٦۵)، ط۱، جزآن، دار النضال، بيروت ۱۹۸۳.
- جوزيف الياس: محاضرات في تاريخ الصحافة، بيروت ۱۹۹۰ (لم تُنشَرْ)
- جوزيف الياس: لغة الصحافة العربيّة في طور نشأتها، حوليّات جامعة القدّيس يوسف، فرع الآداب العربيّة، مج۵، بيروت ۱۹۹۰.
- بطرس البستاني: أعمال الجمعيّة السوريّة، المطبعة الأميركيّة، بيروت ۱۸۵۲.
ثالثاً – أوراق عمل لمؤتمرات
- جوزيف الياس: من الأصالة إلى التجدُّد: القياس لا الفَوضى، مؤتمر "اللغّة العربيّة أمام تحدّيات العَولمة"، الدورة الثانية، معهد الدعوة الجامعيّ للدراسات الإسلاميّة، بيروت ۲۰۰۳.
- جوزيف الياس: أثر اللغات الأجنبيّة في العربيّة المعاصرة (النموذج اللبنانيّ)، مؤتمر "اللغة العربيّة أمام تحدّيات العَولمة"، الدورة الثالثة، المجلس العالميّ للغة العربيّة، بيروت ۲۰۰۵.
- جوزيف الياس: الفصحى في مواجهة الإعلام العربيّ المعاصر، مؤتمر "المجلس العالميّ للغة العربيّة في خدمة الفصحى"، الدورة الرابعة، المجلس العالميّ للغة العربيّة، بيروت ۲۰۰٦ (طُبِع ۲۰۰۷).
- جوزيف الياس: أثر الإعلام في اللغة العربيّة المعاصرة، مؤتمر "اللغة والإعلام"، جامعة سيّدة اللّويزة، زوق مصبح ۲۰۰۹.
لم تُنشَر
|