الدكتور جوزيف الياس

فهرس: صفحة المدخل     سبرة علميّة       ملاحق     صور المؤلفات العامّة     صور الكتب المدرسيّة     مقالات جديدة    للاتصال بنا




لغة الإعلام المرئيّ والمسموع




تمهيد لمّا كانت العربيّة لغةً معربةً، وهذه مزيّة شريفة اختصّت بها دون سواها من لغات، كان للإعلام المرئيّ والمسموع الأثر الأكبر فيها، وكان من الطبيعيّ أن ينالها منه بعض الأذى. فأن تقرأ العربيّة قراءة ذهنيّة صامتة شيء، وأن تنطق بالكلمات فتقرأ قراءة جهريّة وتُعرِبَ اللفظَ المقروءَ شيء آخر. والبون شاسع بين أن تقرأ الإعلام المكتوب أو الصحافة، وأن تُصغيَ إلى الإعلام المرئيّ أو المسموع. فقد خدمت الصحافة، في بداياتها وأيّامَ عزّها، اللغة والأدب، وكان هذا يومَ كان كتّاب الصحافة من أهل الأدب، ويومَ كان الصحافيّ يدخل مكتبه، في إدارة الصحيفة متأبِّطاً معجماً أو ديوانَ شعر. ثمّ تقهقرت خدمة الصحافة للغة والأدب حتّى زالت تماماً. ذلك أن الصحافيّين شاؤوا أن يكونوا صحافيّين محترفين فحسب، فحلّ الصحافيّ محلّ الأديب في التحرير، وتأدّب بعضهم، فنافس أهل الأدب، وشغل ما خُصِّصَ من صفحات الصحيفة لهؤلاء (صفحة الأدب أو الثقافة). ومع الزمن كانت لنا نقلة جديدة إلى مرحلة تالية بات فيها الصحافيّ عبئاً على اللغة والأدب، إذ بات له حقّ التصرّف في اللغة كحقّ التوليد والنحت والاشتقاق (والتعريب أحياناً)، وحقّ أن يكتب ما يشاء. فله أن يصول ويجول، فيكتب في الصرف والنحو، ويحلّل الأدب أو ينقده، وينظم الشعر، بل أن يكون رجالاً في رجل وأقلاماً في قلم.

بيد أنّ الأمر ما زال حتّى هنا محمولاً أو مقبولاً قبولاً نسبيّاً، ما دمتَ أمام نصّ مقروءٍ من غير إعراب. أمّا الكارثة الكبرى على لغة الضاد في أيّامنا هذه، فآتية من الإعلام المسموع (الإذاعة) أوّلاً، فالإعلام المرئيّ والمسموع (التلفزيون) ثانياً. وذلك لأنّ العربيّة في هذا الإعلام معرَبة والألفاظ فيه مشكولة، وعلى المذيع أن يلفظ بحركة الإعراب في أواخر الكَلِم، وببعض حركات الوسط حين يكون لها شأن في الانتقال بالكلمة إلى معنًى آخر. ومع اختلاف الأذواق والأهواء والمشارب، يطالعك إعلاميّ مدَّعٍ (وربّما مريض)، فتراه "يتمطّق ويتحذلق ويتفيهق ويتشدّق"، فإذا هو يتغرغر بالكلمات، ويلوكها كما تُلاك اللقمة، ويعلكها كما يُعلَك اللُّبان. ولكي يُقال إنّه "المختلِف"، يقول "الخُطاب" لأنّ الناس تقول "الخِطاب"، "والمِقعَد" لأنّ الناس تقول "المَقعَدْ"، و "المِعبَر" لأن الناس تقول "المَعبَر"، و "المَدخِل" لأنّ الناس تقول "المَدخَل"، و "المَركِب" لأن الناس تقول "المَركَب". ولنا عودة إلى تفصيل هذا.

محطّات الإذاعة والتلفزة
بدأ انتشار محطّات الإذاعة في العالم العربيّ، في النصف الأوّل من القرن العشرين، وتحديداً في الربع الثاني منه. وأشهرها في تلك الحقبة "راديو الشرق" و "الإذاعة المصريّة" و "محطّة الشرق الأدنى" التي كانت تبثّ من قبرص. وبما أنّ محطّات الإذاعة كانت قليلة في بداية عهدها اهتمّت إداراتها باختيار المذيعين الأكفاء، وبمراقبة أدائهم وإخضاعهم لدورات تدريبيّة، فاستقام أداؤها الإعلاميّ، وحافظت على شيءٍ من السلامة اللغويّة. وقد سمعت، حين تفتّحت أذناي على السماع، مذيعي "محطة الشرق الأدنى" وسمعت إلقاءهم في نشرات الأخبار، ومازلت أذكر من أسمائهم المذيعة الدمشقيّة المشهورة عبلة الخوري. ويبدو لنا أنّ إذاعات الأيّام الخوالي كانت تحترم السامعين وآذان السامعين، وكانت تهاب هؤلاء وتخشى انتقادهم، فتحسب لهم ألف حساب خلافاً لما درجت عليه إذاعات هذه الأيّام كما سنرى.

ثمّ أُنشِئت شبكات التلفزة مع بدايات النصف الثاني من القرن، وهي، في بداياتها، رسميّة حكوميّة، وكانت واحدة وحيدة في كلّ بلد، فسهر مديروها والقائمون بأمرها على اختيار مذيعيها من النخبة، وهم قلّة قليلة في تلك الأيّام، ودرّبوهم تدريباً حسناً. وقد بقيت شبكات التلفزة الرسميّة، على قلّتها، حجّة في صحّة الخبر أو صدقه، ومرجعاً في لغة الخبر نحواً من عشرين سنة أو أكثر قليلاً، حتّى كان الطوفان، طوفان الإذاعات وشبكات التلفزة في لبنان، فضلاً عن الفضائيّات العربيّة التي أُنشِئت في السنين الأخيرة. ولمّا كانت الإذاعة هي السابقة والتلفزة هي اللاّحقة، كان خيراً لنا أن نقدّم المسموع على المرئيّ، فنقول "الإعلام المسموع" ثمّ "الإعلام المرئيّ والمسموع".

وقد رأينا بعض الإعلاميّين في الزمن الحاضر مأخوذاً بشعار الحداثة البرّاق، ورأينا بعضهم الآخر يدعو، بقليل من الغيرة، إلى التسهيل والتقريب أو "التبسيط"، وإلى التحرّر من بعض قيود الصرف والنحو، فعذَرْنا بعضاً ولم نعذر بعضاً آخر، وليسوا كلّهم في العذر سواسية. ورأينا بعضاً ثالثاً يعطي ممّا عنده وبقدر إمكاناته، وفي غالب الأحيان ليس عنده من شيء يعطيه. وهؤلاء غير القادرين على أن يُعطوا هم فقراء اللغة وفقراء الإعلام. ولا حَرَج في القول إنّ في صحافتنا صحافيّين فقراء وإنّ في إعلامنا المسموع والمرئيّ إعلاميّين فقراء ومذيعين فقراء، بعضهم شبه أميّ، وكثير عليه أن يُقال فيه إنّه يقرأ ويكتب لا أكثر. فهذا هو زمن الفقر، زمن البؤس، زمن القحط والجدب.

لغة المرئيّ والمسموع
إنّ إعلامنا المعاصر بل الحاضر، وبخاصّة المسموع فالمرئيّ منه، يمارس اليوم سياسة تدمير العربيّة، أو تهشيم العربيّة وتمزيقها. وما زلنا في أوّل الدرب، فالمؤامرة على لغة الضاد كبيرة ومستمرّة إلى أن يكفّ العرب عن المفاخرة والمباهاة بحرف الضاد، وسيأتي يوم تُبكى فيه العربيّة الفصحى. هذا هو الداء الخبيث، وهذا هو الداء العياء بعينه، وهو داء قد استفحل، فبات في حاجة إلى عمل جراحيّ، ولا بدّ من نطاسيّ جرّاح. فالأنكى، والأخطر، والأدهى في إعلامنا العربيّ اليوم هو ما تواضَعَ القوم على تسميته بـ"المرئيّ والمسموع"، وما دعوناه نحن، بترتيبه الزمنيّ، "المسموع فالمرئيّ"، وهو ما نركّز في هذا البحث على أبعاده وآثاره. ومشكلتنا، في لبنان، مع هذا الإعلام أقسى وأمرّ وأدهى. لذا كان لا بدّ من وقفة لنا أمام الإعلام الحاضر في لبنان لمعرفة ما فعل ويفعل بلغة الضاد.

فإذا ما وقفت معنا، أمام الإعلام الحاضر في لبنان، وقفة المتأمّل، وقعت على شيء من العبثيّة والفوضى في تعدّد هذا الإعلام أو كثرته، وفي سياسة هذا الإعلام، وفي لغة هذا الإعلام. ففي لبنان اليوم تجربة إعلاميّة فريدة، وأنموذج يُضرَب به المثل؛ ولبنان، في صحافته وفي إذاعته وشبكات تلفزته، بلد مختلف كلّ الاختلاف، وبلد لا مثيل له في العالم العربيّ. فلقد كثرت فيه محطّات الإذاعة وشبكات التلفزة في الخمس والعشرين سنة الأخيرة. وأتت هذه بزبد البحر، فألقى الصيّادون شباكهم، فخرجت ملأى بـ"ثمار البحر"، وبأحذية بالية، وقواريرَ مهشّمة. فمحطّات الإذاعة وشبكات التلفزة تسير على هواها، وتبثّ ما طاب لها؛ وفي بعض هذه وتلك عاملون ومذيعون أشباه أُمِّيّين لا يفقهون من العربيّة شيئاً. وفي رأينا أنّ الإعلام المسموع والمرئيّ في لبنان اليوم بات نكبة على العربيّة لا حلّ لها في الأفق القريب، وأنّ الداء في الإعلام اللبنانيّ يتفشّى وينتشر بسرعة، وما عاد أحد منّا قادراً على صدّه أو إيقافه.

لا وجودَ لمُراجع لغويّ أو قارئ أو ضابط لغة في محطّات الإذاعة وشبكات التلفزة في لبنان، مع أنّ هذا واجب حتميّ. فمحرّر النشرة لا يضبط نصّه بالشّكل، ولا يرسم حركة الإعراب في أواخر الكَلِم، ولا يرسم همزة القطع والشدّة حيث يجب أن تكونا. وإن حاول أن يضبط بالشكل، وأن يرسم الهمزة والشدّة فهو عاجز عن الإصابة غالباً بسبب فقره اللغويّ. أمّا المذيع فهو، بسبب ضعفه البالغ، عاجز عن القراءة أو الإلقاء الصحيح، فالمرفوع منصوب أو مجرور، والمنصوب مرفوع أو مجرور، والمجرور مرفوع أو منصوب، والخلط كثير بين أفعال من مثل "يَنشُد ويُنشِد، يَفلَح ويُفلِح، يَجمَع ويُمجِع، يَعلَم ويُعلِم". ولمّا كان محرّر النشرة لا يرسم الهمزة والشدّة، كان من السهل أن يقع المذيع في اللبس حين يرى أمامه الفعل "اطلع" فيقرأ "أَطلَعَ" أو "اطَّلَعَ"، أو الفعل "اتبع" فيقرأ "أتبَعَ" أو "اتَّبَعَ". وقد ثبت لنا أنّ في الإلقاء الإذاعيّ والتلفزيونيّ في لبنان فضائح يندى لها الجبين، ويخجل بها من لا يعرف الخجل. كما ثبت لنا أنّ بعض مذيعي النشرات شبه أُمّيّ، وأنّ ألسنة الكثرة الكاثرة من المذيعين اللبنانيّين ألسنة معوجّة لا يُرجى لها تقويم ولو وُضعت في قالب. وإذا كانت إذاعات الأيّام الخوالي، كما ذكرنا قبلاً، تحترم السامعين وآذان السامعين، فإنّ إذاعات هذه الأيّام وتلفزة هذه الأيّام لا تحترم أحداً، ولا تقيم وزناً لأذن سامع وعين مشاهد.

وقد رأينا بعض شبكات التلفزة في لبنان يجنح جنوحاً بطيئاً نحو العاميّة، كـ"المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال" مثلاً. وما جنح من هذا الإعلام نحو العاميّة تخلّى تدريجاً عن النطق بحركة الإعراب، واعتمد التخفيف في اللفظ، أو في النطق بالحروف، فباتت القاف في نطقه همزة. وهذا منه الكثير في لبنان، كأن تقول "ألبي" بدل "قلبي". وإنْ نَحَتْ به إحداهنّ نحو المزيد من الفصاحة قالت "كلبي" بدل "قلبي" و"ألبي"، وغدت الطاء تاءً في قولها "التقس" أو "التأس" بدل "الطقس" و"التريق أو التريء" بدل "الطريق". وعكس ذلك صحيح، فلربما حَسِبَ أحدهم أنّ الجمهور مخطئ حين يقول "أنا متفائل"، فيصحّح هو قائلاً "أنا متفاقل"، وقد سمعتها مرّة. وثمّة مسألة أخرى لا صلة لها بالضعف اللّغويّ، بل هي ظاهرة مَرَضيّة في المجتمع. ففي لبنان إعلاميّون متحذلقون متصنّعون متشدّقون، والمهمّ عند هؤلاء أن يخالفوا المجموع كي يقال إنّهم خالفوا، ولو كان غيرهم على صواب وهم على خطأ. وثمّة مذيعون عندنا يلوكون الكلام لَوكاً، ويمضغونه مضغاً، ويتمطَّقون به تمطّقاً، ويتشدّقون به تشدّقاً، فكأنّما هو أكلة يتذوّقون، وشربة قراحٌ يجرعون. ولطالما سمعنا إحدى المذيعات (صوت لبنان) تقول، بكثير من التفخيم، "المِقعَد" و"المِدخَل أو المَدخِل"، و "المِعبَر أو المَعبِر" و"الصّفَقَة"، و"القُمّة"، و"الخُطاب"، و"عَجقَة السَّير"، وسمعنا جميعهم يقول "الخَيار" تمييزاً له من البَقل المعروف أو أحد أصناف الخُضَر.

نماذج من السقط المسموع
نكتفي، في ما يلي، بنماذج من السقط اللغويّ الذي يُلفَظُ به، ويُسمَعُ في برامج الإذاعة والتلفزة، وبخاصّة نشرات الأخبار. والأنموذج اللبنانيّ هو غرضنا هنا، ولا حَرَج في ذلك، فها هي الفضائيّات العربيّة تنقل عن أخَوَاتها اللبنانيّات بعض عجائبهنَّ، كقولها "الخَيار" بدل "الخِيار"، و"النائب" (للأُنثى) بدل "النائبة"، ومُباشِر ومُباشِرة" بدلَ "مُباشَر ومُباشَرة"، و "مُختَلَف كذا" بدلَ "مُختَلِف كذا"، وتَعدِيتها "الزيارة" بحرف الجرّ "إلى" بدلاً من التعدية المباشَرة.
۱- نذكر أوّلاً بعضاً من الكلمات التي يُلفَظ بها على الهواء خطأً:
1- أسماء: الخَيار (الخِيار)، الصَّفَقََة (الصَّفْقَة)، الخُطاب (الخِطاب)، المِعبَر (المَعبَر)، المِقعَد (المَقعَد)، المَركِب (المَركَب)، العِلاقة (العَلاقة)، الدِّلالة (الدَّلالة)، القُمَّة (القِمَّة)، بقَدَرِ كذا (بقّدْرِ كذا)، الوِحدَة (الوَحدَة)، الفَرار (الفِرار)، الغَطاء (الغِطاء)، العَداء (العِداء)، طعامُ العِشاء (طعامُ العَشاء)، حِوار مُباشِر (حِوار مُباشَر)، مُختَلَف الآراء (مُختَلِف الآراء)، الإِداء (الأَداء)، الفَوْهة أو الفُوهة (الفُوَّهَة)، الأَوَجّ (الأَوْج)، الرَّقَم (الرَّقْم)، عَمْرْ (عَمْرو)، البَرميل (البِرميل)، الخَرطوم (الخُرطوم)، صَحافة (صِحافة)، مِحفظة (مَحفظة)، جُعبَة (جَعبَة)، حُرْج وحُرْشْ (حَرَج)، دَستور (دُستور)، رُدهة (رَدْهة)، رُزمة (رِزمة)، خِلسة (خُلسة)، فَقَرَة (فِقْرَة)، أَحادِيّ (أُحادِيّ).

2- أفعال: نَضَجَ (نَضِجَ)، حَمَدَ (حَمِدَ)، نَفَدَ (نَفِدَ)، أَمِلَ (أَمَلَ)، نَزِلَ (نَزَلَ)، ثَبُتَ له كذا (ثَبَتَ له)، خَلُصَ (خَلَصَ)، حَرُصَ (حَرَصَ)، هَرَعَ (هُرِعَ)، كَسِبَ (كَسَبَ)، رَئِسَ الجلسة (رَأَسَ الجلسة). يَهِبُ (يَهَبُ)، يَطَالُ (يَطُولُ)، يَرجَعُ (يَرجِعُ)، يَعجَزُ (يَعجِزُ)، يَقصُدُ (يَقصِدُ)، يَدفُنُ (يَدفِنُ)، يَكسَبُ (يَكسِبُ)، يَنضِجُ (يَنضَجُ)، يَرئِسُ الجلسة (يَرأَسُ)، يَغرُفُ (يَغرِفُ)، يَهدُفُ (يَهدِفُ)، يَتُمُّ (يَتِمُّ)، يَحصَلُ (يَحصُلُ)، يَنعي (يَنعى).

۲- الخلط في المعنى بين مضارع الثلاثي ومضارع الرباعي المهموز من وزن "أَفْعَلَ": يَثْني ويُثْني، يَفلَحُ ويُفلِحُ، يَنشُدُ ويُنشِدُ، يَجمَعُ ويُجمِعُ، يَكرُمُ ويُكرِمُ، يَكبُرُ ويُكبِرُ، يَثبُتُ ويُثبِتُ، يَعلَمُ ويُعلِمُ، يَقفُلُ ويُقفِلُ. ۳- الإكثار من استعمال ألفاظ عاميّة، أو ألفاظ غير فصيحة، أو أخرى أجنبيّة في نشرات الأخبار، ومنها: "عَجْقَة، كِباش، خَربَطَ، طَفران، زَهقان، الجَلّ، مَحْرَمَة، قَفير، مَظروف، لَخْبَطَ، تَصوينة، تَحَجَّجَ، تَحَدَّدَ (المَوعِدُ)، خَبَّصَ، أَجَندة، بوسطة، وَضَّبَ، البُقْجَة، الإضْبارة، البَزَّاق، الطَّابة، المِشوار، المِرْسال، حُرْش، دَردَشَة، حَلحَلَة، جَوجَلَة، يَطالُ، تَواجَدَ، الأخِصّائيّ، الخانَة، المَحكوميَّة، المَقطوعيَّة، الفَعَّاليَّة، الجُهوزيَّة، المَنسوب (للمياه)، بالكاد، شَفْط، صَحّ...".

٤- تأنيث ما هو مذكّر كـ"الرُّفات والدَّرب والماء والمُستشفى والباع ..."، وتذكير ما هو مؤنَّث كـ"الدِّرع والسِّنّ والبِئر والقَوس واليَمين والذِّراع والكَفّ والكَتِف...". أضف إلى ذلك إصرار بعض المذيعين على دعوة من كانت نائبة في المجلس النيابيّ بـ"النائب" ظنّاً منهم أنّ النائبة هي المصيبة، ولكلٍّ معناها. ولنا في هذا الموضوع مقالتان نُشِرتا في جريدة "النهار" البيروتيّة (۱/٦/ ۲۰۰٤ ، و ۳/۱۱/ ۲۰۰۵).

۵- جمع الكثير من المفردات جمعاً غير فصيح، كقولهم "مُدَراء" (مُديرون ومُديرين)، و"مَخاتير" (مُختارون ومُختارين)، و"زَبائن" (زُبُن)، و"نَوايا" (نِيّات)، ومَحَلاّت (مَحالّ)، ومَقَرّات (مَقارّ)، وأظَافِر (أَظفار).
٦- تشديد الحرف الثاني من بعض الكلمات، ومنها: لُغَّة (لُغَة)، شَفَّة (شَفَة)، دَمٌّ (دَمٌ)، فَمٌّ (فَمٌ)، دُخّانٌ (دُخانٌ).
۷- تخفيف الحرف الأخير من بعض الكلمات والنطق به ساكناً، كقولهم "شاذْ وشَواذْ" (شاذّ وشواذّ)، "مَوادْ" (مَوادّ)، "خاصْ وخَواصْ" (خاصّ وخَواصّ)، "حارْ" (حارّ)، حادْ (حادّ)، "عامْ" (عامّ).
۸- إعراب كلمتي "أب وأخ" المضافتين إلى اسم ظاهر بالحركة بدلاً من الحرف، كقولهم" هذا أبُ الجُنديّ. وجاء أخُ زميلي".
۹- نعت المذكّر بكلمة "ذات" بدلاً من "ذو"، كقولهم "نحنُ شعبٌ ذاتُ كرامة".
۱۰- الإبقاء على فعل الشرط وجوابه مرفوعَيْن في قولهم "مَن يُسيءُ إلى الضيف يُسيءُ إلينا، ومَن يُجيبُ عن السؤال يستحقُّ المكافأة".
۱۱- التحرُّر من ربط جواب الشرط بالفاء حيث يجب اقترانها به، ولهذا شروط معلومة في نحو العربيّة، كقولهم "إن تجتهدْ أنتَ (فأنتَ) ناجحٌ، إن أردتَ النجاحَ اجتهدْ (فاجتهدْ)، إن
أردتَ النجاحَ لا تتكاسلْ (فلا)، إن تفعلِ الخيرَ لن (فلن) تَعدَمَ جزاءَ فعلك". ومثله التحرُّر من ربط جواب "أمّا" الشرطيّة بالفاء، كقولهم "أمّا الوزيرُ قرّرَ (فقرّرَ) كذا". ۱۲- تقديم الضمير على صاحبه في قولهم "من جهته قال المدير كذا، وبدوره دعا الرئيس إلى كذا"، وتقديم الحال والضمير معاً في قولهم "وحدَهُ مدير الشركة قال كذا".
۱۳- إضافة الكلمة "حال" إلى الجملة الفعليّة في قولهم "نرحّب بك في حال وصلت في الموعد المحدّد".
۱٤- استعمال المصدر "كَون" مقطوعاً، أي من دون رابط نحويّ أو إعرابيّ، كقولهم "نَجَحَ فُلان في الامتحانِ كَونُهُ اجتهدَ، لم يَحضُر فلانٌ الاجتماع كونُهُ مريضاً.
۱۵- صرفُ بعض الألفاظ الممنوعة من الصرف، كقولهم "مرَّ بمَراحلٍ، تَقَدَّمَ بمَشاريعٍ"، ومنعُ بعض الألفاظ المنصرفة، كقولهم "في أحياءَ من المدينة"، والإبقاء على بعض الأسماء المضافة ممنوعةً من الصرف، كقولهم "هذا أشبهُ بجرائمَ حربٍ، تَقَدَّمَ بمشاريعَ قوانين".
۱٦- نعت جمع المؤنَّث السالم المنصوب بمجرور، كقولهم "هذا يتطلّبُ إجراءاتٍ قانونيَّةٍ".
۱۷- نعت المضاف إليه بما حكمُه أن يتبع المضاف، كقولهم "سُمِعَ إطلاقُ نارٍ كثيفٍ، وشهِدَتْ إطلاقَ نارٍ كثيفٍ".
۱۸- الجمع في الجملة بين "على الرَّغم" أو "برَغمِ" و "إلاّ أنَّ"، كقولهم "على الرَّغمِ من مرضهِ إلاّ أنّه حضرَ الاجتماعَ".
۱۹- تكرار "كُلَّما" في قولهم "كلَّما قرأتَ كتاباً كلَّما ازددتَ معرفةً".
۲۰- تكرار "بِقَدْرِ" (يلفِظون بها "بِقَدَر") في قولهم "بِقَدْرِ ما تَجِدُّ وتجتهدُ بِقَدْرِ ما تضمنُ نجاحَكَ".
۲۱- إسناد الفعل المضاعف إلى الضمير بزيادة ياء بدلاً من فكّ التضعيف، كقولهم " استعَدَّيْتُ واستقَلَّيْتُ واسترَدَّيْتُ".
۲۲- تقديم الاسم على الضمير المنفصل في قولهم "المديرُ وأنا توجَّهنا إلى مكتب الوزير، أبوك وأنتَ ضَيفانِ عزيزانِ".
۲۳- إدخال الباء على المأخوذ بدل المُهمَل مع الأفعال "بدَّل وأبدلَ واستبدلَ"، كقولهم "استبدلتُ ثوبي القديمَ بثوب جديد".
۲٤- إسناد ضمير العاقل وعلامة جمع الذكور العقلاء (الميم) إلى غير العاقل، كقولهم "الجِياد خَرجوا من الإصْطبل، في المكتبة عِشرون كتاباً منهم خمسةُ دواوين شِعر، الدُّوَل الثلاث قَرَّروا
كذا، الأطراف المُتحاورونَ اجتَمعوا، عِشرون مَقعداً نيابيّاً منهم كذا للطائفة الفُلانيّة".
۲۵- استعمال الفعل "أَمَّنَ" بمعنى "وَفَّرَ" أو "حَقَّقَ" في قولهم "هذا الدَّخلُ يُؤمِّنُ لي عيشاً كريماً".
۲٦- إدخال "هل" الاستفهاميّة على مضارع مصدَّر بحرف استقبال، كقولهم "هل سينجحُ الكسول؟".
۲۷- نفي الماضي بالظرف "أبداً"، كقولهم "ما سافرتُ إلى الصينِ أبداً".
۲۸- تعدية المصدر "الزيارة" بحرف الجرِّ "إلى" في قولهم "عاد فلان من زيارةٍ إلى دمشق
، وكنت في زيارةٍ إلى صديقي، وزيارتُه إلى فلان". ۲۹- تعدية الفعل "دَخَلَ" بحرف الجرّ "إلى" في قولهم "دخلتُ إلى الغرفة"، وتعدية الفعل "أَمَلَ" بحرف الجرّ "في" في قولهم "أَمَلَ في النجاح". وأمثلة هذا كثيرة في لغة الإعلام المعاصر.
۳۰- تحويل أحد المفعولَيْن إلى مجرور، كقولهم "أَعطيتُ الكتابَ إلى سعيدٍ، حَمَّلتُ المسؤوليَّةَ إلى أخيكَ، مُنِحَتِ الجائزةُ إلى الرياضيِّ، أَولَيتُ عِنايَتي إلى التّلميذِ الجديدِ". وأمثلة هذا كثيرة في لغة الإعلام المعاصر.
۳۱- عطف الاسم الموصول على ما ليس بموصول، كقولهم "هذا هو المدير الناجح القادر على الإدارة، والذي يحترم الناس". ۳۲- الفصل بين المضاف والمضاف إليه بعطف في قولهم "سيادة واستقلال لبنان". ۳۳- إضافة كلٍّ من "كافَّة وشَتَّى" إلى اسم بعدها، كقولهم "كافَّةُ القومِ وشَتَّى الاتِّجاهاتِ، وحكمُهما التأخُّر عن الاسم، لأنّ الأولى تُنصَبُ على الحاليّة والثانية نعت لما قبلها. ۳٤- استعمال الإعلاميّين أحياناً لحال لا عاملَ لها ولا مسوِّغ لها، والأنكى من ذلك أنهم يعطفون أحياناً على حال لا وجود لها. فكم من مرّةٍ سمعت مذيعاً يقول "ومُشيراً" أو "ومُعتَبراً"، من دون أن أكون قد سمعته ينطق بحالٍ تسمح بالعطف عليها!
۳۵- وثمَّة مشكلة كُبرى هي خلط الإعلاميّ بين همزة الوصل وهمزة القطع لعجزه عن التمييز بينهما؛ ففي الإلقاء الإذاعيّ أو البثّ المباشَر، يُلفَظ بهمزة "اَل" التعريف همزة مقطوعة. وهذه بيِّنة لا تحتاج إلى شواهد.
۳٦- وثمَّة مشكلة أخرى لا تقلّ خطورة عن تلك هي عجز الإعلاميّ عن قراءة العدد قراءةً صحيحةً، فهو عاجز تماماً عن تمييز حال الموافقة (أو المطابقة) من حال المخالفة بين العدد ومعدوده. وهذه بيّنة لا تحتاج إلى شواهد.
۳۷- وفي الآونة الأخيرة، بتنا نسمع إعلاميّين ينصبون اسم "كان" ويرفعون اسم "إنَّ" إذا كان الخبر شبه جملة، كقولهم "كان في الحديقة هِرّاً، وإنّ تحت الشجرة ثمرةٌ". ولو شئنا أن نتابع في هذا لَبَلغنا المئة عدّاً، أي لأَحصَينا مئة مسألة تستوجب التصحيح.

النهوض بلغة الإعلام
الكلامُ على النهوض بلغة الإعلام العربيّ المعاصر مرتبط، إلى حدٍّ بعيد، بالعمليّة التربويّة، والكلام على العمليّة التربويّة مرتبط بالكلام على مناهج التعليم والكتاب المدرسيّ، والكلام على مناهج التعليم والكتاب المدرسيّ مرتبط بمعلِّم اللغة العربيّة، أو مدرّس اللغة العربيّة، أو أستاذ اللغة العربيّة. وقد تجدُ نفسك في حَيْرة أو في حيصَ بيصَ، فتسألُ: تُرى أيُّهما الأسبقُ؟ آلبيضةُ أم الدجاجة؟ فإنْ أنت أتيت بنخبة من خيرة اللغويّين الذين لا يرقى الشكّ إلى مقدرتهم وأدائهم المثاليّ، وكلَّفتهم أن يأتوك بمناهج جديدة نموذجيّة أو مثاليّة ترفع من شأن العربيّة، وأن يؤلّفوا كُتُباً مدرسيَّة نموذجيّة، وأن يفعلوا ما شئت، ويأتوك بما شئت، فأنت مصطدم في النهاية حتماً بواقع مدرِّسي اللغة العربيّة المحزن. فَمِن أين نأتي بمعلِّم أو مدرِّس أو أستاذ يحسن اللغة العربيّة إن لم نقل يتقنُها؟ ومن ينهض بلغة الضاد إذا كان بين ظهرانينا حَمَلَة دكتوراه، وأساتذة في كلّيّات الآداب لا يقرأون العربيّة قراءة سليمة، ولا يكتبونها كتابة سليمة؟ ولنا في هذا الموضوع مقالة نُشِرَت في العدد الرابع (آذار ۲۰۰۵) من مجلّة "حوار العرب" تحت عنوان "مدرِّس اللغة العربيّة". وها نحن نُجمِل عوامل النهوض اللغويّ في اثني عشر عاملاً، هي:

۱- إعادة النظر في مناهِج اللغة العربيّة، والارتقاء بها أو العودة بها إلى زمن القوّة، وإن كان لا بدّ من تطوير أو "تحديث" فليس على حساب المستوى.
۲- إسناد تأليف الكتاب المدرسيّ (كتاب اللغة العربيّة) إلى نخبة متخصِّصة مقتدرة، وليس إلى المقرّبين المنتفعين وإن كانوا جَهَلة، ومنع المغامرين الطارئين من الاتِّجار بالتأليف
المدرسيّ في بلدٍ كلبنان لا قيود فيه على هذا النوع من التأليف.
۳- مراقبة الكتب المدرسيّة، وبخاصّة كتاب اللغة العربيّة، ومنع مؤلّفيها من الجنوح إلى استخدام اللفظ العامّيّ في النصوص والشروح، والعمل على الحدّ، ما أمكنَ، من استخدام اللفظ الأجنبيّ المعرَّب.

٤- زيادة عدد حصص تدريس اللغة العربيّة في سنوات التعليم الأساسيّ والتعليم الثانويّ.
۵- تأهيل مدرِّسي اللغة العربيّة، وإخضاعهم لدورات تدريبيّة ينظّمها لغويّون متخصّصون مقتدرون، وقلَّة مختارة من أساتذة اللغة العربيّة في الجامعات العربيّة.
٦- التركيز والتشديد على تدريس اللغة العربيّة في معاهد الإعلام وكلِّيّات الإعلام. ۷- منع وسائل الإعلام كلِّها (الصحافة والإذاعة والتلفزة) من استخدام حَمَلَة شهادة الدراسة الثانويّة في التحرير أو التحرير الإذاعيّ لديها، وإلزام هذه الوسائل أن يكون العاملون فيها من حَمَلَة
الإجازة كحدٍّ أدنى.
۸- إخضاع العاملين في الإعلام المسموع والمرئيّ المسموع لدورات تدريبيّة على إلقاء النصّ المضبوط بالشكل، وعلى ارتجال الكلام شفويّاً (أي على الهواء) عند الضرورة.
۹- إلزام الصحف أن تعتمد مصحّحين لغويّين متخصّصين ومقتدرين، وإلزام محطّات الإذاعة وشبكات التلفزة أن تعتمد مصحّحين لغويّين أقدر وأكفأ كي يراقبوا نشرات الأخبار مراقبة
دقيقة ويصحّحوها، ويضبطوها بالشكل التّام. وبذلك يصبح إلقاؤها أو بثُّها المباشَر أسهل على المذيع.
۱۰- حظر استخدام العامّيّة في لوحات الإعلان المرفوعة في الشوارع وعلى الطرق العامّة، إذ ينبغي أن يكون الإعلان بالعربيّة الفصحى.
۱۱- تخصيص حوافز وجوائز تشجيعيّة للإعلاميّين الذين يتقنون العربيّة، أو يقاربون إتقانها، وبخاصّة من كان منهم عاملاً في محطّات الإذاعة وشبكات التلفزة.
۱۲- مراقبة أداء كلّ عامل في المؤسَّسة الإعلاميّة (صحيفة أو إذاعة أو تلفزة)، وتقويم هذا الأداء بالنقاط (أي بالعلامات)، ثمّ اعتماد سياسة الجزاء الحسن على الأداء الحسن.
خـلاصـة
ونسألُ أخيراً: أتستسلم العربيّة الفصحى، وتنحني تحت ضربات مطرقة الإعلام المعاصر، وبخاصّة المسموع والمرئيّ منه، أم تقاوم وتصمد كَيلا تنهار وكَيلا يُقضى عليها؟ أَتَنقاد العربيّة الفصحى لإغراءات الحداثة والمعاصَرة، أو قلْ لشعار الحداثة والمعاصَرة الذي قد يخفي وراءه أهدافاً أخرى؟ ونحن، في المبدأ، لا نرفض "الحداثة والمعاصَرة" إن لم تكونا هدَّامتين مدمِّرتين.

فلغة الضاد أو اللغة الأمّ تتعرّض لمؤامرة كبرى، أو لما يشبه المؤامرة من استخفاف وتهميش أوّلاً، ومن تهشيم وتكسير وتحطيم بمِهدّة الحجّار ثانياً، ومن تمزيق وتقطيع أوصال بساطور الجزّار لا بسكّين المطبخ ثالثاُ. والعربيّة تُهمَل عمداً، فتُحْشى بألفاظ عامّيّة وألفاظ أجنبيّة أكثرها من الإنكليزيّة، ويفرح المُهمِلون بحالها هذه وبإهمالهم إيّاها. والعربيّة الفصحى لغة مُعرَبة، والإعراب حِليَة العربيّة وقِلادتها؛ بيد أنّ العاجزين يتّهمونها بالصعوبة كي يتحرّروا من الإعراب، وكي ينشروا تفاهاتهم على السطوح.

ولغة الضاد، أو فُصحى قريش، أو اللغة الأمّ لغة تزحل كما دعوتُها في مقالة لي، وكما أشرت في صدر هذا البحث. أجل، إنّ العربيّة تزحل كما تزحل التربة الخصبة في منحدرات لبنان تحت وطأة السيول. فلا يستسلمنَّ بعضنا للقدر قائلاً إنّ للعربيّة ربّاً يحميها، ومن ثَمَّ يقعد متكاسلاً مستسلماً. فنحن لا ننكر نعمة الله علينا، لكنّنا نسأل الغُيُرَ ألاّ يستكينوا وألاّ يقعدوا مستسلمين، ونطلب إليهم أن يدافعوا عن لغتهم الأمّ. فحبّنا للغة الأمّ، وغيرتنا جميعاً على اللغة الأمّ، ودفاعنا جميعاً عن اللغة الأمّ هو الخطوة الأولى إلى النهوض بلغة الضاد من كَبوَة كَبَتْها في النصف الثاني من القرن العشرين، وما زالت مستمرّة حتّى اليوم.

لم تُنشَر

 

جميع حقوق النشر محفوظة dr.josephelias.com