مئة سنة على صدور جريدة "البرق"
هي "جريدة أدبيّة سياسيّة انتقاديّة لصاحبها ومحرّرها بشارة عبد الله الخوري".
صدر عددها الأوّل يوم الثلاثاء في الأوّل من أيلول سنة 1908، فجاء في ثماني صفحات من القطع الصغير، في كلّ منها عمودان، وفي صفحتَيْه الأولى والثانية افتتاحيّة بدأت بقصيدة (23 بيتًا)، وحملت عنوان "الجلوس السعيد"، والمقصود بذلك عيد الجلوس السلطانيّ.
جاء في أعلى الصفحة الأولى من العدد الأوّل أنّ بدل الاشتراك السنويّ في الصحيفة هو ريال مجيديّ ونصف الريال في بيروت، وريالان في الخارج، وأنّ المراسلات ينبغي أن تكون باسم "صاحب الجريدة"؛ أمّا الإعلانات فتُخابَر بشأنها الإدارة.
وقد رأينا حول كلمة "البرق" في الأعلى شرارات برقيّة امتدّت حول الاسم في خطوط منكسرة، فكوّنت شعاعًا في ما يشبه الغيم، وبين هذه الخطوط تناثرت كلمات أربع، هي "أدب، سياسة، انتقاد، فكاهة".
صدر العدد الثاني من "البرق" يوم السبت في 12 أيلول 1908، وفيه عُدِّل التعريف قليلاً، فذُكِر أنّها أسبوعيّة. وقد لاحظنا أنّ الصحيفة استمرّت زمنًا طويلاً تصدر يوم السبت من كلّ أسبوع.
وفي الثّاني من كانون الثّاني سنة 1909، صدر العددان 17 و18 معًا، وهما في ستّ عشرة صفحة. وفي هذا العدد المزدوج شرعت الصحيفة تأخذ ترقيمًا للصفحات متواصلاً، كما في صفحات الكتاب، فبدأ العدد بالصفحة 129، وانتهى بالصفحة 144؛ وهكذا بلغ عدد صفحات المجلّد الأوّل 412 صفحة.
ونمضي مع "البرق" إلى السنة الثانية التي بدأت بالعدد 52 الصادر في 4 أيلول 1909، لنرى أنّ تعديلاً طفيفًا طرأ على الإخراج. فقد زالت من حول الاسم الكلمات الأربع، وبقيت الخطوط البرقيّة المنكسرة، وتحتها "جريدة اجتماعيّة أدبيّة انتقاديّة"، وإلى اليمين "صاحب امتيازها ومحرّرها بشارة عبد الله الخوري"، وإدارتها في شارع شوكت باشا (أصبحت في ما بعد في سوق سرسق)، وما زال بدل الاشتراك على حاله، بيد أنّه أصبح 15 فرنكًا في البلاد الأجنبيّة. وما زالت الصحيفة تصدر في ثماني صفحات من القطع الصغير، وفي صفحتها الواحدة ثلاثة أعمدة. وينتهي المجلّد الثاني بالعدد 103، وهو في 420 صفحة.
واظبت "البرق" على الصدور يوم السبت من كلّ أسبوع، في ثماني صفحات من القطع الصّغير، وبترقيم للصّفحات متواصل، كما هي الحال في صفحات الكتاب. وإثر صدور العدد 175 في 9 آذار 1912، عُطِّلَت البرق، واحتجبت إلى أن رأيناها تصدر، في 14 أيّار 1912، تحت اسم جديد هو "صدى البرق"، وبترقيم جديد أي بالعدد الأوّل. وفي أعلى الصّفحة الأولى، نقرأ أنّ صاحب الامتياز هو إسكندر العازار، ورئيس التّحرير هو بشارة الخوري، والمدير المسؤول هو عزّت الجرّاح؛ وما زالت هذه أيضًا في ثماني صفحات. والمرجّح لدينا أنّ ما صدر من "صدى البرق" هو عدد واحد، لأنّنا نرى "البرق" تعود في الأوّل من
حزيران 1912 بالعدد 177 (ربّما تكون قد عادت في 21 أيّار 1912 بالعدد 176، وهذا غير متوافر بين يدينا ولا نستطيع أن نؤكّد صدوره). وما زالت هذه تصدر أسبوعيًّا حتّى نشبت الحرب العالميّة الأولى، فاحتجبت قسرًا. وآخر ما بين أيدينا من أعدادها إذ ذاك هو العدد 290 الصّادر يوم السّبت في 29 آب 1914، وهي يومئذ في سنتها السّادسة، فدام إقفالها حتّى تشرين الأوّل 1918.
عادت "البرق" إلى الصّدور في تشرين الأوّل 1918، وإذا بها تبدأ بترقيم جديد إلى جانب التّرقيم القديم. وأوّل ما وقعنا عليه من أعدادها في هذه الحقبة، هو العدد "3 – 297" الصّادر يوم الخميس في 17 تشرين الأوّل 1918، وهو في أربع صفحات من القطع الوسَط، وفيه تحرَّر عنوان الصّحيفة من الخطوط البرقيّة المنكسرة. ولم نقع في صدر هذا العدد على أيّ تعريف بالصّحيفة، لكنّ بدل الاشتراك فيها أصبح خمسة وعشرين فرنكًا، وما زال صاحبها ورئيس تحريرها بشارة الخوري. ويبدو أنّ "البرق" عادت إلى الصّدور صحيفة شبه يوميّة، فدوريّتها غير منتظمة، والصّدور الفعليّ أربع مرّات في الأسبوع، أو ثلاثًا في بعض الأحيان.
وفي سنة 1920 رأينا "البرق" تصدر يوميّة في صفحتين من القطع الكبير، وقد عُرِّفت بأنّها "جريدة يوميّة سياسيّة أدبيّة اقتصاديّة"، وحُدِّد بدل الاشتراك فيها بمئة قرش مصريّ في لبنان وسورية، ومئتي قرش في البلاد العربيّة، وعشرة دولارات في أميركا الشّماليّة، و350 قرشًا في البرازيل، وما زال صاحبها ورئيس تحريرها بشارة الخوري. بيدَ أنّ صدور الصّحيفة في صفحتين لم يدم طويلاً، فسرعان ما عادت تصدر في أربع صفحات، وما زالت دوريّتها يوميّة، لكنّ الصّدور الفعليّ خمس مرّات في الأسبوع، واحتجابها الغالب يومَي الأحد والإثنين، وقد يكون يومًا ثالثًا في بعض الأسابيع. وفي سنة 1923، طرأ تعديل جديد على شروط الاشتراك فيها، فأصبح الاشتراك في لبنان وسورية خمس مئة قرش سوريّ أو مئة فرنك، وفي الخارج مئة وعشرين فرنكًا.
ما زالت "البرق" تصدر يوميّة سياسيّة حتّى سنة 1930، حين رأيناها تتحوّل في العدد 3360، الصّادر يوم الإثنين في 19 أيّار 1930، إلى "جريدة أدب وفنّ وسياسة، مديرها ورئيس تحريرها بشارة الخوري، بدل اشتراكها في بيروت 80 فرنكًا، وفي لبنان وسوريا 100 فرنك، وفي الخارج130 فرنكًا". وهكذا أصبحت "البرق" صحيفة أدبيّة أسبوعيّة تصدر الإثنين في ستّ عشرة صفحة من القطع الوسط، وباتت افتتاحيّاتها كلّها تحمل توقيع بشارة الخوري. وقد افتتح الخوري العدد الأوّل من هذه الصّحيفة الأدبيّة بمقالة حملت عنوان "خطبة البرق وخطَّته""، وفيها يشير الكاتب إلى "الرّجوع إلى الأدب".
وما زالت "البرق" تصدر أسبوعيّة أدبيّة لا تخلو من سياسة، وفي ستّ عشرة صفحة من القطع الوسط حتّى حزيران 1932؛ ثمّ ما لبثت أن تحوّلت في تموز 1932، وهي في أيّامها الأخيرة، إلى الصّدور في ثماني صفحات من القطع الوسط، وبات تعريفها هكذا "أدب – سياسة – انتقاد – أخبار". وكان آخر أعدادها العدد 3453 الصّادر يوم الأربعاء في 23 تشرين الثّاني 1932، وهو في ثماني صفحات. وقيل إنّ تعطيلها كان بسبب قصيدة الأخطل الصّغير في رثاء الملك فيصل، وعنوانها "مصرع النّسر". وقد حاول بشارة الخوري إعادة إصدار صحيفته سنة 1944، وكتب في هذا الشّأن إلى رئيس الحكومة اللّبنانيّة رياض الصّلح، فلم يلقَ جوابًا أو استجابة.
طُبعت "البرق" أوّلاً في "المطبعة العموميّة" ببيروت، وفي سنتها الثّالثة باتت تُطبَع في مطبعة "جدعون"، وفي سنتها الرّابعة (شباط 1912) باتت تُطبَع في مطبعة "البرق"، واستمرّت هكذا زمنًا طويلاً. ثمّ رأيناها في سنيها الأخيرة تُطبَع في مطبعة "الهدى". أمّا مكاتبها فكانت غالبًا في سوق سرسق.
سياسة "البرق" سياسة لبنانيّة بحتة، فهي في عهد المتصرفيّة معنيّة بجبل لبنان وبهموم النّاس في الجبل، وقلّما رأيناها تولي ولاية بيروت جانبًا من اهتمامها. وفي عهد الانتداب كانت سياستها لبنانيّة بحتة، وهي سياسة تعبّر عنها المقالات الافتتاحيّة الّتي كان قلم الأخطل الصّغير يدبّجها. وقد كانت صفحات "البرق"، في العهد العثمانيّ ثمّ في عهد الانتداب، مسرحًا لأقلام عدد كبير من الكتّاب اللّبنانيّين والعرب.
االنّهار: العدد 23456، 1/9/2008
|