الدكتور جوزيف الياس

فهرس: صفحة المدخل     سبرة علميّة       ملاحق     صور المؤلفات العامّة     صور الكتب المدرسيّة     مقالات جديدة    للاتصال بنا




أضواء على جريدة "ثمرات الفنون"




قرأت، يوم 19 تشرين الثاني 2008، ما نُشِر في الصحف، وفي مقدّمها "النهار"، عن الاحتفال بنشر كتاب "عبد القادر قبّاني وجريدة ثمرات الفنون". وهو في الواقع تكريم للشيخ قبّاني وإحياء لذكراه وذكرى صحيفته التي عاشت أكثر من ثلث قرن. ثم قرأت في "النهار"، يوم 29 تشرين الثاني 2008، مقالة الأستاذ هنري زغيب في الموضوع نفسه. وفي الخبر والمقالة قيل شيء في الشيخ عبد القادر قبّاني، ولم يُقَل مثله في "ثمرات الفنون". والثمرات صحيفة أسبوعيّة سياسيّة أصدرتها "جمعيّة الفنون" في بيروت يوم 20 نيسان 1875، وأسندت إدارتها إلى عبد القادر قبّاني، ثمّ آلت إليه، في ما بعد، ملكيّتها ورئاسة تحريرها. وقد عُرِّفت هذه الصحيفة، في عددها الأوّل، بأنّها صحيفة "تحتوي على حوادث سياسيّة ومحلّيّة وتجارة وفنون"، وصُدِّر العدد هذا، في صفحته الأولى، بافتتاحيّة شغلت الصفحة الأولى كلّها، وحملت عنوان "بسم الله الرحن الرحيم". وقد رأينا الثمرات تصدر أسبوعيًّا في أربع صفحات، ثمّ في ثمانٍ حتى 2 تشرين الثاني 1908.

وفي ما يلي ندفع إلى القارئ بجملة من الملاحظات التي تلقي مزيدًا من الضوء على هذه الصحيفة:
1- "ثمرات الفنون" صحيفة إسلاميّة ناطقة باسم مسلمي بيروت أوّلاً، وباسم مسلمي الدولة العثمانيّة ثانيًا، وباسم جميع المسلمين في العالم ثالثًا. لذا صحّ فيها القول إنّها صحيفة الجامعة الإسلاميّة بامتياز.
2- و"ثمرات الفنون" صحيفة عثمانيّة بالغت في عثمانيّتها، وتمادت في تمجيد العهد الحميديّ، وفي الحديث عن السلطان، ومراحم السلطان، والأعياد السلطانيّة، وبخاصّة عيد الجلوس السلطانيّ، أو ما كان يُدعى "الجلوس السلطانيّ المأنوس".
3- ربّما خال القارئ أنّ نصوص الصفحة الأولى في صحف النصف الثاني من القرن التاسع عشر هي افتتاحيّات كُتِبت وفق الأصول، وذُيِّلت بتواقيع كتّابها أو محرّريها؛ وهذا وهم، فافتتاحيّة الصحيفة في هاتيك الأيّام كانت تحمل غالبًا عنوان "خلاصة سياسيّة"، وهي في الغالب أيضًا غير موقّعة، ونحن لا نذكر أنّنا قرأنا مرّة اسم عبد القادر قبّاني في ذيل مقالة الصفحة الأولى. لذا كان من الصعب عليك تمييز مقالته من مقالة غيره.

4- تتبّعنا، في أعداد ثلث قرن من عمر الصحيفة، أسماء من وقّعوا مقالاتهم بالاسم الصريح، فكان لنا منهم عدد كبير. ونذكر من هؤلاء من دون أن ندّعي الإحاطة بالأسماء إحاطة تامّة : "أسعد داغر، محمّد أمين حشيمي، عبد الباسط فتح الله، حسن قتلان، محمّد علي حشيشو، ميشال سماحة، إبراهيم الأحدب، حسن بيهم، حسين الجسر، سليم شمعة، محمّد علي حامد، مصباح طبّارة، مصطفى الغلاييني، سليمان مصوبع، سعيد الكرمي، محيي الدين الخيّاط، مصطفى صادق الرافعي، عبد القادر المغربي، جميل العظم، علي الريماوي، شكري العسلي، محمّد رشيد قنديل، عبد الرحمن شهبندر، سعد حمادة، الألوسي ...". ويضيف مؤرّخ الصحافة العربيّة فيليب طرّازي اسماء أخرى، نذكر منها: "الشيخ يوسف الأسير، عوني إسحق، سليم الشلفون، إسكندر طراد، محمّد الحبّال". وثمّة مقالات ذُيِّلت بالحرفَيْن الأوّلَيْن من الاسم والشهرة، أو بلَقَب أو شهرة أو كنية. ونذكر من هذا النوع: "م.ع.، ص.ق، ط.ج.، أ.أ.، م.ج.، أ.ج.، ع.أ.، م.ط.، ك.ش.، بصير، رفيق، عثمانيّ صادق...".

5- أشهر محرّري "ثمرات الفنون"، في سنيها العشر الأخيرة، هو الصحافيّ أحمد حسن طبّارة، الذي بدأ حياته المهنيّة في مكاتب الصحيفة (سنة 1891)، فتدرّب فيها، وبات من محرّريها، إلى أن انتُخِب قبّاني، سنة 1898، رئيسًا للمجلس البلديّ لمدينة بيروت، فغدا طبّارة، إذ ذاك، مديرًا للصحيفة ورئيس تحريرها. بيد أنّ هذا شرع، مع بداية العهد الدستوريّ، يُعِدّ العدّة لإصدار صحيفته اليوميّة الخاصّة، التي حملت اسم "الاتّحاد العثمانيّ"، وصدر عددها الأوّل يوم 22 أيلول 1908، ففقد الشيخ قبّاني سنده وبقي وحيدًا. 6- وفي سبب الاحتجاب أو أسبابه، نقول إنّ الشيخ قبّاني ألقى بعض الضوء على ذلك، في مقالته الأخيرة، أو مقالة الوداع التي نُشِرت في العدد الأخير (العدد 1686)، يوم 2 تشرين الثاني 1908، فجاء ت على شكل بيان، وإن تكن قد حملت عنوان "ثمرات الفنون"، وذُيِّلت في ختامها بتوقيع عبد القادر قبّاني خلافًا لما عوّدنا في سالف الأيّام. بيد أنّ الشيخ قبّاني ألقى ضوءًا خافتًا، فلمّح ولم يصرِّح، ومرّ بالموضوع مرورًا سريعًا فلم يُوَفِّهِ حقّه. وقد نقل عنه طرّازي في "تاريخ الصحافة العربيّة" (ج2، ص27) بعض التوضيح. وإلى ذلك نقول إنّ ثمّة سببًا آخر للاحتجاب أو التوقّف هو أنّ شيخنا هذا لم يرحِّب بالاتّحاديّين وعهدهم الانقلابيّ، وفي رأينا أنّ الاتّحاديّين بادلوه شعورًا بشعور وحذرًا بحذر، وعدّوه من أهل "الرُّجعى" لنزعته المحافظة. ولهذا أُقصِيَ (أو عُزِلَ)، في آب 1908، عن منصب مدير المعارف في ولاية بيروت، فاحتجّ على قرار العزل طالبًا المعاملة بالإنصاف أو المحاكمة، فلم يُستَجَبْ طلبه، وإنّما خُصِّص له راتب شهريّ. أمّا قول الأستاذ زغيب إنّ الصحيفة احتجبت بسبب "تعليق الدستور"، فقول مثير للاستغراب، لأنّ الدستور العثمانيّ، الذي وُضِع سنة 1876 (بفضل مدحت باشا واللبنانيّ خليل غانم)، قد عُطِّل عند نشوب الحرب العثمانيّة الروسيّة سنة 1877، ثمّ أُعيد العمل به إثر الانقلاب العثمانيّ في تمّوز 1908؛ لذا دُعِي العهد إذ ذاك "العهد الدستوريّ العثمانيّ". وحول ما قيل في الأصداء التي خلّفتها مقالات قبّاني (أو افتتاحيّاته) في الأوساط البيروتيّة والعربيّة والإسلاميّة، نرى أنّ في ذلك بعض المبالغة، وهذا أمر يصعب الجزم فيه. فنحن قد قرأنا بعضًا من افتتاحيّات الصحيفة، وما زال بعضها الآخر محفوظًا في ملفّاتنا؛ وليس ثمّة مجال الآن لقول المزيد في هذا.

هذه قراءة عَجلى لجريدة "ثمرات الفنون" ممّا توافر لنا منها في ملفّات الصحف اللبنانيّة، فعسى أن يكون فيها مزيد من التعريف بالصحيفة الإسلاميّة الأولى في بيروت.

االنّهار: العدد 23456، 1/9/2008

 

جميع حقوق النشر محفوظة dr.josephelias.com